سياسة عربية

بالأدلة.. هكذا يرسخ الاحتلال وجودا عسكريا طويلا الأمد جنوب سوريا ولبنان

تحقيق أيكاد: توسع عسكري إسرائيلي ممنهج في الجنوبين السوري واللبناني رغم الهدنة مع حزب الله - جيش الاحتلال الإسرائيلي "إكس"
تحقيق أيكاد: توسع عسكري إسرائيلي ممنهج في الجنوبين السوري واللبناني رغم الهدنة مع حزب الله - جيش الاحتلال الإسرائيلي "إكس"
كشف تحقيق لمنصة "إيكاد" أن ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري واللبناني يتجاوز كونه تحركات عسكرية ظرفية، ليشكّل إستراتيجية متكاملة تهدف إلى تكريس احتلال طويل الأمد، يترافق مع مشروعات استيطانية وتحركات ميدانية ممنهجة، على الرغم من الهدن الموقعة مع الأطراف المقابلة.

وتؤكد "إيكاد" أن الاحتلال واصل منذ أواخر 2024 توغلاته في الجنوب السوري، متجاوزًا حدود الجولان نحو العمق حتى مشارف دمشق. حيث قام بحفر خنادق جديدة داخل المنطقة العازلة وربطها بشبكة ممتدة.

وأُنشأ قواعد عسكرية ووسع أخرى، مع شق طرق داخلية لضمان سرعة الانتشار والمناورة. كما توغل ووصل إلى مسافة 26 كم فقط من العاصمة دمشق، في محاولة لفرض طوق أمني جديد.

كما رصد التحقيق بداية مشروعات استيطانية في الجنوب السوري، بما يعكس سعي الاحتلال إلى نقل نموذج الضفة الغربية إلى الجولان وما بعده.

وفي هذا التحقيق، تتبّعت منصة "إيكاد" المختصة باستخبارات المصادر المفتوحة، أنشطة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري واللبناني، لتكشف عن شبكة متكاملة من الخنادق والقواعد العسكرية والطرق المعبدة، تمتد من القنيطرة حتى مشارف دمشق، ومن مرتفعات الجولان إلى التلال المقابلة للجنوب اللبناني.


تصعيد بعد سقوط الأسد
منذ سقوط نظام المخلوع بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، تصاعد الخطاب الإسرائيلي تجاه الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، حتى وصل إلى حد الدعوة العلنية لتقسيم البلاد واغتيال الرئيس.

وبالتوازي، كثّف الاحتلال الإسرائيلي من غاراتها على الأراضي السورية، إذ وثّقت صحيفة وول ستريت جورنال تنفيذ جيش الاحتلال 954 غارة منذ ذلك التاريخ.

لكن الغارات الجوية لم تكن سوى جزء من مشهد أوسع، إذ رصدت "إيكاد" عبر صور أقمار صناعية توسعًا ميدانيًا شمل إنشاء قواعد، وحفر خنادق، وشق طرق داخل الأراضي السورية المحتلة حديثًا، بما يوحي –وفق المنصة– بأن الاحتلال يُخطط لوجود دائم، يتجاوز مجرد تأمين الحدود.

حفر الخنادق.. تحصين أم تمهيد للتوغل؟
بحسب تحليل "إيكاد"، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ أواخر 2024 حفر خنادق على طول المنطقة العازلة بمحاذاة خط ألفا. ورصدت المنصة أول هذه الخنادق في تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته، قبل أن تتابع تمددها خلال الشهور التالية حتى آذار/مارس الماضي.

وبتحليل صور "Sentinel Hub" بين آذار/مارس وتموز/يوليو الماضيين٬ كشفت المنصة عن ثلاثة خنادق متقطعة جديدة، بينها خندق ضخم يمتد لعدة كيلومترات شمال المنطقة، إضافة إلى خندقين أصغر أحدهما بطول 975 متراً قرب القنيطرة، وآخر بطول 851 متراً قرب الحميدية. ومع استمرار أعمال الحفر، وصل الطول الكلي لأحد هذه الخنادق إلى 4.45 كم بحلول تموز/يوليو الماضي.

كما رُصد خندق رابع جنوب شرق القنيطرة قرب قرية القحطانية، حُفر بطول 716 متراً ثم وُصل بخندق آخر ليصل طوله إلى نحو كيلومترين.

تحديث القواعد العسكرية
بالتوازي مع عمليات الحفر، شيّد جيش الاحتلال تسع قواعد عسكرية في مناطق التوغل جنوب سوريا. وأظهر تحليل "إيكاد" لصور "Sentinel Hub" أن سبع قواعد لم تشهد تغييرات تُذكر، فيما طالت التوسعة قاعدتين: إحداهما خارج خط برافو قرب قرية كودنا، حيث ظهر مبنى جديد. والأخرى شمال "جباتا الخشب" مقابل بلدة حضر، التي شهدت توسعات ملحوظة في مبانيها.

شق الطرق.. شبكة للتنقل والتموين
إلى جانب الخنادق والقواعد، وثّقت "إيكاد" إنشاء الاحتلال شبكة طرق داخل مناطق التوغل لتسهيل حركة القوات والإمدادات.

ومن بين هذه الطرق: طريق بطول 1.66 كم قرب بلدة "مجدل شمس"، يرتبط بقاعدة إسرائيلية أُنشئت مطلع 2025. وطريق آخر تجاوز طوله 2.5 كم، شُق في شباط/فبراير الماضي قرب بلدة "سحم الكفارات" الأردنية باتجاه مرتفعات الجولان.

وتشير "إيكاد" إلى أن وجود هذا الطريق خارج منطقة وقف إطلاق النار يعكس نية إسرائيلية للتمدد الميداني، بما يُمهّد لعمليات توغل أو مراقبة متقدمة.

توغلات وتدمير ممنهج
لم تقتصر التحركات الإسرائيلية على التشييد، بل شملت سلسلة توغلات عسكرية داخل العمق السوري، استهدفت تحصينات وبنى تحتية عسكرية وصولاً إلى مشارف دمشق. وفي نيسان/أبريل الماضي، دمّر الاحتلال مقر الفوج 36 قرب قلعة جندل، على بُعد 30 كم من العاصمة.

في 3 تموز/يوليو الماضي، توغلت قوة إسرائيلية في قرية رخلة القريبة من الحدود اللبنانية، وصادرت أسلحة من السكان المحليين. وفي 6 تموز/يوليو الماضي، أعلن "لواء الجبال" الإسرائيلي تدمير مواقع للنظام السابق جنوب قرية عرنة، تبعد نحو 40 كم عن دمشق.

في 17 تموز/يوليو الماضي، رصدت "إيكاد" رتلًا عسكريًا إسرائيليًا يضم 22 عربة، توغل حتى 28.6 كم عن العاصمة. وفي 21 آب/أغسطس الماضي، وُثقت دورية إسرائيلية قرب رخلة، على بُعد 26 كم فقط من دمشق.

في 25  آب/أغسطس الماضي، تمركزت قوات الاحتلال على تلال بيت جن بريف دمشق، معلنة البقاء حتى إشعار آخر. وفي 26  آب/أغسطس الماضي، استهدفت غارة إسرائيلية منزلًا في قرية طرنجة بمنطقة وقف إطلاق النار، أسفرت عن استشهاد المواطن المدني رامي أحمد غانم.

استيطان موازٍ للتوغل العسكري
وكشف التحقيق أيضًا عن تحركات استيطانية متزامنة، ففي 19 آب/أغسطس الماضي، وضعت مجموعة تُسمي نفسها "رواد باشان" حجر أساس لمستوطنة جديدة داخل الأراضي السورية قرب خط ألفا، مستخدمة الطرق التي شقها الجيش مؤخرًا.

ووفق "إيكاد"، تواصلت عمليات الحفر والتجريف في المنطقة حتى أواخر آب/أغسطس الماضي، ما يعكس مسعى لإقامة استيطان دائم يتجاوز حدود الجولان.

وتشير المنصة إلى أن المنطقة التي تشهد هذه الأعمال تُعرف في الأدبيات الإسرائيلية بـ"أرض الباشان"، وهو توصيف استُخدم أيضًا من قبل بعض المجموعات الدرزية المطالبة بالتحالف مع الاحتلال الإسرائيلي.

لبنان.. هدنة منتهكة وتصعيد متواصل
وفي الجانب اللبناني ورغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع "حزب الله" في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، تشير بيانات رصدتها "إيكاد" إلى أن الاحتلال ارتكب أكثر من 3 آلاف خرق للهدنة، بينها 500 ضربة جوية استهدفت مواقع للحزب.

وارتفعت الغارات بنسبة 47% في أيار/مايو الماضي مقارنة بـ نيسان/أبريل الماضي (112 مقابل 73 غارة).
كما أوضحت مؤسسة  الدفاع عن الديمقراطيات "FDD"٬ أن نطاق الهجمات توسع في حزيران/يونيو وتموز/يوليو ليشمل البقاع وخلدة وبعلبك، وصولًا لما بعد نهر الليطاني.

في 27 تموز/يوليو الماضي٬ تعرّضت النبطية لقصف مكثف، تلاه استهداف قيادي من الحزب في شبريحا قرب صور (20 تموز/يوليو الماضي). كما نُفذت هجمات متزامنة في بيت جبيل وجرمق (31 تموز/يوليو الماضي).

توغلات وعمليات هدم
لم تقتصر التحركات على الجو، إذ نفذ الاحتلال توغلات برية مشابهة لما يجري في سوريا. في 7 تموز/يوليو الماضي٬ نشرت الفرقة 91 الإسرائيلية مقطعًا يوثق دخولها جنوب لبنان، بزعم تفكيك بنية عسكرية لـ"حزب الله".

غير أن وسائل إعلام لبنانية أكدت أن هذه التوغلات طالت قرى سكنية شملت هدم منازل وتجريف طرق.
تحليل صور الأقمار الصناعية عبر "Sentinel Hub" أظهر عمليات تدمير واسعة في قرى مثل: ميس الجبل (مرجعيون/النبطية): عمليات نسف وتجريف بين كانون الأول/ديسمبر 2024 وآب/أغسطس الماضي. وكفركلا (مرجعيون/النبطية): رصد دمار واسع في المباني وشق طرق جديدة. وحولا (النبطية): تعرضت لقصف وتوغلات واسعة ترافقت مع توسعة قاعدة عسكرية إسرائيلية.

خمس تلال إستراتيجية
وثّقت "إيكاد" تمسك الاحتلال بخمس مواقع مرتفعة في الجنوب اللبناني، تضم قواعد عسكرية تضم بين 100 و150 جنديًا، قد يصل مجموعهم إلى 15 ألف جندي: جبل بلاط: توسعات متواصلة منذ كانون الثاني/يناير الماضي، تشمل تحصينات وسواتر وكاميرات مراقبة. وجبل اللبونة: قرب الخط الأزرق، شُقت داخله 3 طرق جديدة.

وتلة الحمامص: ارتفاعها 900 متر يتيح السيطرة على محيطها، وشهدت تعزيزات كبيرة منذ كانون الثاني/يناير الماضي. وتلة جلّ الدير: ظهرت ملامحها في آذار/مارس، وتوسعت لاحقًا مع بناء هيكل إسمنتي جديد. وتلة العويضة: بين كفركلا والطبية والعديسة، شهدت توسعات بارزة في تموز/يوليو وآب/أغسطس الماضيين.

رسائل سياسية وعسكرية
في 13 آب/أغسطس الماضي٬ ظهر رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير في جولة ميدانية جنوب لبنان، معلنًا "القضاء على 240 عنصرًا" وتنفيذ 600 غارة جوية.

ترى "إيكاد" أن هذه الجولة حملت رسالة واضحة٬ وهي أن الاحتلال قادر على التوغل متى شاء، وأن وجوده في الجنوب اللبناني بات خيارًا إستراتيجيًا لا يرتبط بضرورات عسكرية آنية.

وتخلص "إيكاد" في تحقيقها إلى أن ما يجري في الجنوب السوري واللبناني لا يقتصر على تحركات عسكرية ظرفية، بل يمثل إستراتيجية متكاملة الأركان تهدف إلى فرض واقع أمني جديد، يمهّد لتصعيد طويل الأمد واحتلال فعلي، يتجاوز حدود الجولان إلى عمق الأراضي السورية واللبنانية وتشمل تحصينات وخنادق تربط الجنوب السوري بشبكة عسكرية متكاملة.

وقواعد عسكرية وطرق ممهدة لاحتلال طويل الأمد. وتوغلات وصلت إلى مشارف دمشق. بالإضافة إلى مشروعات استيطانية ناشئة في الجنوب السوري. وآلاف الخروقات في لبنان رغم الهدنة، مع تدمير قرى وتوسعة مواقع عسكرية. وتمركز على خمس تلال إستراتيجية تعزز بقاء الاحتلال.

وبذلك، يتضح أن ما يجري ليس مجرد دفاع عن "حدود مزعومة"، بل خطة ممنهجة تهدف إلى فرض واقع احتلالي دائم في الجنوبين السوري واللبناني، ضمن تصور أوسع لما يسميه الاحتلال الإسرائيلي بـ"إسرائيل الكبرى".


التعليقات (0)

خبر عاجل