قضايا وآراء

الإسلاموفوبيا وشجاعة "البطل الجزائري"

جمال الدين طالب
نعم قد يحدث أن يقوم أشخاص محسوبون أو يدعون "الإسلامية" بأعمال منافية للإسلام مدانة، لكن هناك حالة "إسلاموفوبية" تأخذ بعدا "عنصريا مرضيا مفضوحا".. الأناضول
نعم قد يحدث أن يقوم أشخاص محسوبون أو يدعون "الإسلامية" بأعمال منافية للإسلام مدانة، لكن هناك حالة "إسلاموفوبية" تأخذ بعدا "عنصريا مرضيا مفضوحا".. الأناضول
شهدت بريطانيا خلال هذا الأسبوع حادثة طعن جماعي مرعبة وقعت على متن قطار كان قادما من مدينة دانكستر (شمال إنجلترا) باتجاه لندن. وكما كان متوقعا انتشر الخبر بسرعة وسرعان ما استغل اليمين المتطرف كعادته الحادثة على مواقع التواصل لترويج شائعات عمن قام بالعملية رغم تحذيرات السلطات الأمنية والقضائية. ولم يكن مفاجئا أن يسارع مروجون للإشاعة من اليمين العنصري لمحاولة تحميل مسؤولية الجريمة لـ"مهاجرين مسلمين مفترضين" والحديث عن "عمل إرهابي"! لكن الشرطة البريطانية سرعان ما استبعدت فرضية العمل الإرهابي، وأكدت أن من قام بالهجوم هو بريطاني، ويبلغ من العمر 32 عاما واسمه أنتوني وليامز من بيتربورو بوسط إنجلترا.

وقد وجهت له عشر تهم بالشروع بالقتل، وأنه تم نقل عشرة أشخاص في البداية إلى المستشفى، وقد غادر أربعة منهم بعد فترة قصيرة، فيما لا يزال أحد المصابين في الهجوم، وهو أحد موظفي شركة LNER للقطارات الذي كان على متن القطار وحاول إيقاف المهاجم، في حالة حرجة. وقد اتضح لاحقا أن هذا "البطل الشجاع" كما وصف هو "الجزائري المسلم" سمير زيتوني.

وقد أسقط هذا الكشف أوراق اليمين المتطرف في توظيف الهجوم في حملات الكراهية ضد المهاجرين المسلمين خاصة.

وقد لقي سمير زيتوني (48 عاما)، إشادات واسعة في بريطانيا بشجاعته والمخاطرة بحياته لإنقاذ أرواح العديد من المسافرين على متن القطار، وقدم عضو في البرلماني البريطاني مقترحا بمنحه وساما للشجاعة.

وقد أظهرت كاميرات المراقبة أثناء الهجوم تصرفه “بشكل بطولي” حيث حمى الركاب من الرجل المسلح الذي كان يهاجمهم بسكين.

وأكد نائب قائد شرطة النقل البريطانية أن كاميرات المراقبة من القطار أظهرت أن تصرفات سمير زيتوني “لم تكن أقل من بطولية ولا شك أنها أنقذت أرواح الناس".

وأشاد الشهود الذي كانوا على متن القطار بشجاعة سمير زيتوني.

اللافت أنه في وسائل الإعلام البريطانية لم تتم الإشارة إلى أن سمير زيتوني هو جزائري، بينما في اليوم الموالي عجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل بالإشارة إلى جنسية الجزائري إبراهيم قدور شريف، البالغ من العمر 24 عاما، المدان بارتكاب جرائم جنسية، والذي تم إطلاق سراحه من سجن في لندن عن طريق الخطأ، قبل أن يتم القبض عليه بشمال لندن بعدها بأيام.
وذكرت شركة LNER للقطارات، التي كشفت هوية سمير زيتوني، أن الأخير الذي يعرفه الكثيرون باسم "سام"، عمل في الشركة لأكثر من 20 عامًا، وقال مديرها: "في لحظة أزمة، لم يتردد سام عندما تقدم لحماية من حوله.. كانت أفعاله شجاعة بشكل لا يصدق، ونحن فخورون به".

من جهتها قالت عائلة سمير زيتوني في بيان:"نحن فخورون للغاية بسام وشجاعته. قالت الشرطة إنه “بطل لكن بالنسبة لنا، لقد كان دائمًا بطلًا".

واللافت أنه في وسائل الإعلام البريطانية لم تتم الإشارة إلى أن سمير زيتوني هو جزائري، بينما في اليوم الموالي عجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل بالإشارة إلى جنسية الجزائري إبراهيم قدور شريف، البالغ من العمر 24 عاما، المدان بارتكاب جرائم جنسية، والذي تم إطلاق سراحه من سجن في لندن عن طريق الخطأ، قبل أن يتم القبض عليه بشمال لندن بعدها بأيام.

وقد أثارت هذه الازدواجية عدة تساؤلات وإدانات، وتأكيدات على أن الصورة واضحة الآن: فإذا قام المسلم (جزائري في هذه الحالة) في بريطانيا أو في الغرب عموما بأفعال بطولية وشجاعة وإيجابية مثلما حدث مع سمير زيتوني، لا يتم في وسائل الإعلام خاصة إبراز أصله وديانته، بينما إذا قام بأفعال مشينة يتم التركيز على أصوله وديانته الإسلامية، وإذا قام شخص محسوب على الإسلام بعمل مشين أو "إرهابي" لا يتماشى مع تعاليم الإسلام، يتم مباشرة إبراز ذلك.

كما أنه ـ ومن خلال متابعتي الإخبارية الشخصية لعقود ولكثير من الأحداث ـ ففي أي حادث أو هجوم يتم رفع "فزاعة الإرهاب الإسلامي"، والوقائع والشواهد والأمثلة كثيرة في هذا الإطار. فكم من عملية "إرهابية" حدثت، ولكن بعد اتضاح أن من ورائها ليس له أي خلفية إسلامية، يتم نزع صفقة "الإرهاب" عنها، وفي كثير من الأمثلة ربط الفاعل (غير المسلم) بـ"الجنون أو الأمراض العقلية"، رغم أن هذا التبرير كان يمكن أن ينطبق أيضا على كثير من المحسوبين على الإسلام، والذين قاموا بأعمال "جنونية" لا يتقبلها العقل ولا تتماشى مع تعاليم الإسلام!

تبدو لي ولكثيرين أن الخلاصة أو الاستنتاج واضح: نعم قد يحدث أن يقوم أشخاص محسوبون أو يدعون "الإسلامية" بأعمال منافية للإسلام مدانة، لكن هناك حالة "إسلاموفوبية" تأخذ بعدا "عنصريا مرضيا مفضوحا" لأوساط تتصيد وتزايد عن سبق إصرار ولا يحركها في الحقيقة سوى حقد مرضي عنصري.
*كاتب جزائري مقيم في لندن
التعليقات (0)

خبر عاجل