خرج نيكولا
ساركوزي من السجن المؤقت بعد 20 يوماً، لكنه لن يخرج من الحكم المعنوي المؤبد. لقد ارتكب، وفقاً لجميع قوانين العالم، أردأ خطايا البشر: إساءة الأمانة. والأمانة هنا لم تكن شيئاً بسيطاً: الرئاسة والدستور وسمعة
فرنسا. خرج من السجن بموجب الاستئناف، لكنه خرج أيضاً من العمل السياسي. ومن الذكر الوطني. وكما لبس العار بطل الحرب العالمية الأولى، الماريشال بيتان، سوف يلبس هذا البهلوان ابن المهاجر المجري، الذي لم يعرف أن يقدر ثقة فرنسا به.
في الدول الديمقراطية يحدث أحياناً أن يسيء الناخب الاختيار. وعلى الدولة أن تتحمل الآثار والنتائج حتى انتهاء ولايته. وبعد ساركوزي المثير للجدل، انتخب الفرنسيون فرنسوا هولاند، غير المثير للاهتمام، وإنما للتندر. وكان ذلك مثيراً للعجب في الجمهورية الخامسة، بعد سرب من طراز ديغول وجورج بومبيدو وفرنسوا ميتيران وفاليري جيسكار ديستان وجاك شيراك.
وكما قال فيلسوف فرنسا جان بول سارتر مرة «إني لعبء ثقيل على الأبدية»، فقد كان ساركوزي وهولاند عبئاً على فرنسا. كلاهما أورث إيمانويل ماكرون بلداً متعباً واقتصاداً عليلاً وديوناً أعلى من برج إيفل. وبسببهما بدأ الحديث عن إنهاء الجمهورية الخامسة والانتقال إلى السادسة.
أحياناً يخفق الرئيس في أمر أو يخطئ، لكنه في المقابل يحقق نجاحات أخرى تغطي، أو تملأ، النواقص. غير أن بهلوانيات ساركوزي وجردائيات هولاند لم يقابلها أي إنجاز. كل تراكم يؤتي ثماره. تراكمات الديغولية أعادت فرنسا المهزومة والمحتلة إلى صفوف الكبار. والتراكمات السلبية أوصلت سمعة أحدهم إلى سجن لا سانتيه. تجدر الإشارة إلى أن الأحكام الصادرة على الرجل ليست محصورة في الأموال التي تلقاها من القذافي، بل هناك قضايا فساد أخرى.
كما جُرّد الأمير أندرو في بريطانيا من لقبه وميزاته، جُرد ساركوزي من وسام جوقة الشرف، الأعلى في الجمهورية، يبقى السؤال الذي لن يزول: هل حقق القضاء الفرنسي مأثرة بأن حكم على ساركوزي بالسجن، أم أنه سجل عدالة منقوصة بأن أخرجه بعد 20 يوماً ليكمل بقية المدة في منزله؟
الشرق الأوسط