ملفات وتقارير

قرارات حكومية متتابعة ومثيرة بحق استثمارات إماراتية في مصر.. ما الأسباب والتبعات؟

يقدر حجم الاستثمار الإماراتي في مصر بنحو 2.96 مليار دولار وهو ما يمثل 29 بالمئة من الاستثمار الأجنبي - جيتي
يقدر حجم الاستثمار الإماراتي في مصر بنحو 2.96 مليار دولار وهو ما يمثل 29 بالمئة من الاستثمار الأجنبي - جيتي
أوقفت "هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة" المصرية، منح الترخيص لشركة "السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار" (سوديك) التي تملك "الدار العقارية" الإماراتية، حصة 85.5 بالمئة منها، حيث كان من المقرر  أن تقوم (سوديك) بتطوير مساحة 1000 فدان بمدينة "سفنكس الجديدة" غرب القاهرة لحين العرض على جهاز "مستقبل مصر" -تابع للقوات الجوية بالقوات المسلحة المصرية ويدير قطاعات واسعة من اقتصاد مصر- وذلك للموافقة على تحويل النشاط من زراعي إلى عمراني أو الرفض، وفق مصادر لـ"الشرق مع بلومبيرغ".

اظهار أخبار متعلقة


ويأتي قرار الهيئة بتجميد المشروع رغم تعاقد "سوديك"، في أيار/ مايو الماضي مع شركة "رُلى لاستصلاح الأراضي" التابعة لمجموعة "الوادي" التي يرأس مجلس إدارتها اللبناني طوني فريجي، لتقنين وضع الأرض، والتنازل عن 50 بالمئة من المساحة مقابل تحويل النشاط إلى سكني، وفق الضوابط الحكومية المعتمدة، ورغم سداد 580 مليون جنيه، كدفعة أولى.

وتمثل قطعة الأرض تلك غرب القاهرة، موقعا استراتيجيا في "الكيلو 54" بمدينة سفنكس الجديدة، قرب المطار الدولي الذي يحمل ذات الاسم منذ 2018، فيما كان من المخطط أن تحقق مبيعات المشروع حوالي 353 مليار جنيه، وفق إعلان "سوديك".

مشروعات الدار العقارية وسوديك
وتتركز أهم مشروعات "الدار العقارية" في مصر من خلال شركتها التابعة "سوديك"، بالقاهرة الجديدة، والساحل الشمالي، وغرب، وشرق القاهرة، وتتضمن أبرز مشروعات "سوديك": "ذا استيتس" و"كارميل" و"فاي" و"أكتوبر بلازا" في غرب القاهرة، و"سوديك إيست" بمدينة الشروق و"فيليت" بالتجمع الخامس شرق القاهرة، و"جون سوديك" بالساحل الشمالي.

وعن محفظة الأراضي المملوكة لها، فتبلغ مساحة الأراضي غير المطورة حوالي 1700 فدان، مقسمة إلى 750 فدانا بالساحل الشمالي، و500 فدان غرب القاهرة، و450 فدانا بشرق العاصمة، بإجمالي نحو 8 ملايين متر مربع وفق تأكيد مدير عام سوديك أيمن عامر، في أيار/ مايو الماضي.

وعن حجم محفظتها المالية، فبلغت الإيرادات غير المحققة من المبيعات المتعاقد عليها للوحدات التي لا تزال قيد التطوير 94 مليار جنيه مصري بنهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، فيما حققت "سوديك"، بنهاية 2024، مبيعات بقيمة 50.3 مليار جنيه بمعدل نمو سنوي 66 بالمئة.

القرار الثالث في شهر
قرار "هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة"، الذي يكشف وفق محللين، عن تغير بسياسات الدولة تجاه تخصيص الأراضي وتقنين أوضاع المستثمرين والشركات المحلية والعربية، هو القرار الحكومي المصري الرسمي الثالث الذي تتخذه القاهرة بحق شركات إماراتية خلال شهر واحد.

اظهار أخبار متعلقة


في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فرض "البنك المركزي" المصري، غرامة مالية مليار جنيه (21 مليون دولار) على بنك (أبوظبي الأول– مصر) نتيجة لمخالفة البنك القواعد المنظمة لمنح التسهيلات الائتمانية لشركة (بلتون القابضة) التابعة لمجموعة (شيميرا) الإماراتية، المملوكة لطحنون بن زايد، شقيق رئيس الإمارات محمد بن زايد.

وقبلها، وفي 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، رفضت "هيئة الرقابة المالية" المصرية (حكومية) عرض استحواذ شركة "ساجاس" الإماراتية على كامل أسهم شركة "السويدي إليكتريك" المصرية المؤسسة منذ عام 1938، لأسباب تعود لحداثة تأسيس "ساجاس" بأبوظبي عام 2023، وعدم وجود سجل مالي للشركة التي تم قيدها ببورصة أبوظبي، فقط في آب/ أغسطس الماضي.

مؤشرات على تأزم سياسي
مراقبون رأوا في تتابع القرارات الحكومية المصرية بحق شركات وبنوك إماراتية دلالات لافتة، وأكدوا أنها مؤشر على احتمال وجود خلاف مصري إماراتي في بعض الملفات السياسية، ملمحين إلى تأزم حاصل في رؤى الحليفين العربيين منذ العام 2013، بملفي الحرب في السودان، وقطاع غزة.

وفي الآونة الأخيرة، اتخذت القاهرة مسارين متضاربين مع توجهات أبوظبي التي تدعم مليشيات "الدعم السريع" ضد الجيش السوداني، وتتخذ مواقف أكثر تشددا مع المقاومة الفلسطينية في غزة، حيث بدا هناك توافقا مصريا سعوديا في ملف السودان، وتقاربا لافتا مع تركيا وقطر في ملف غزة.

وتوقع خبراء اقتصاد ومحللون أن يكون لقرار "هيئة المجتمعات العمرانية" بحق الشركة الإماراتية، وما سبقه من قرارات مماثلة، تبعات على ملف الاستثمار الإماراتي الذي جرى تقديره بالعام المالي (2024/2025) بنحو 2.96 مليار دولار، بما يمثل نسبة 29 بالمئة من الاستثمار الأجنبي بمصر، وعلى حجم أعمال 1730 شركة إماراتية تعمل في مصر.

وتشمل أبرز الشركات العقارية المصرية المرتبطة بشركات إماراتية: "إعمار مصر" التابعة لـ"إعمار الإماراتية" وتقوم بمشاريع "مراسي" بالساحل الشمالي و"كايرو جيت"، و"ماجد الفطيم" صاحبة مشروع "مول مصر"، و"القمزي" التي تعمل في مصر منذ عام 2010، و"إمكان مصر" في "كمبوند البروج" بالقاهرة الجديدة، و"سول" و"ذا جروف" على الساحل الشمالي، و"زايد دار" التي تعمل بالعاصمة الجديدة.

قرارات صارمة ورسالة ضد التجاوز
وفي رؤيته، قال الباحث المصري مصطفى خضري، لـ"عربي21": "دأبت أبوظبي على رسم سياسات إقليمية تهدف لمحاصرة محركات الأمن القومي المصري، باليمن، وليبيا، والسودان، وملف غزة، ما أضر بمصالح مصر؛ لكن يبدو أن أبوظبي بلغت حدا لا يمكن تجاوزه مع صانعي قرار القاهرة خاصة الجهات السيادية".

وأوضح أن "مصر تعتبر استقرار السودان ووحدة جيشه خطا أحمر لأمنها القومي، في المقابل، تشير تقارير دولية ومصادر استخباراتية غربية، وأخرها تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي نشرته (وول ستريت جورنال)، عن جسر الأسلحة النوعية المتقدمة، والمرتزقة الأجانب؛ الذي أمدت به أبوظبي قوات الدعم السريع، والتي تسعى لتقسيم السودان".

وأكد أن "التعارض الجذري بالرؤى حول السودان، خاصة منذ معركة الفاشر، خلق صدعا بالتحالف المصري الإماراتي؛ ويبدو أن القاهرة قررت عدم استمرار التعاون الاقتصادي في ظل خلافات تمس صميم أمنها القومي، وأصبحت قراراتها الاقتصادية الصارمة (لغة مصر الجديدة) ورسالة واضحة لأبوظبي: (سياساتكم بالسودان لها تكلفة)".

خيارات البيروقراطية المصرية
وأكد الخبير المصري في التحليل المعلومات وقياس الرأي العام، أن "الرسائل الثلاثة الأخيرة ليست طلقات عشوائية، بل استعراض لجزء من ترسانة أدوات تمتلكها البيروقراطية المصرية العتيقة لـ(تقليم أظافر) أي استثمارات تتجاوز الحدود المرسومة، وإلغاء الامتيازات الممنوحة في سياقات سياسية، وهذه الترسانة لا تقتصر على الغرامات ورفض الصفقات، بل تشمل أدوات أكثر عمقا وتأثيرا".

وأشار إلى أن بعض أدوات مصر تتمثل في "التدقيق الضريبي بأثر رجعي، وفتح ملفات قديمة وإعادة تقييم صفقات استحواذ أو أرباح رأسمالية سابقة، والمطالبة بفروق ضريبية بمليارات الجنيهات، مع مراجعة تخصيص الأراضي والعقود، بقطاعات العقارات والخدمات اللوجستية، ومراجعة شروطها ومدى الالتزام بها".

وتحدث عن "تشديد رقابة وزارات وأجهزة مثل سلطة الطيران المدني، وجهاز حماية المنافسة، وهيئة سلامة الغذاء، وجهاز تنظيم الاتصالات، بما لها من سلطة فرض لوائح صارمة أو إجراء تحقيقات حول ممارسات احتكارية أو مخالفات، مع إبطاء الموافقات والتراخيص اللازمة للتوسعات الجديدة أو المشاريع المستقبلية، أو حتى المرافق الحيوية والطرقات الموصلة لتلك المشروعات".

ماذا عن رأس الحكمة؟
وعن مشروع "رأس الحكمة" والذي يمكن أن "تستخدمه أبو ظبي كأداة مساومة أمام الأدوات البيروقراطية المصرية"، يرى رئيس مركز  "تكامل مصر"، أنه سلاح ذو حدين: الأول لصالح أبو ظبي، حيث يؤدي توقف المشروع إلى هزة عنيفة لثقة المستثمرين الأجانب كأبرز الآثار السلبية، فقد ساهم المشروع بتحسين توقعات النمو الاقتصادي"، ويضيف: "كما ساند المشروع تحسين وضع الاحتياطيات الأجنبية وميزان المدفوعات، وأي تراجع عنه يقلب هذه المعطيات الإيجابية، ويعيد حالة التشاؤم وعدم اليقين للسوق، مما قد يسبب موجة بيع حادة وتراجع حاد للبورصة حتى 5 آلاف نقطة من مؤشر EGX 30".

وأشار إلى أن "أهم الشركات المتأثرة: (إعمار مصر)، والتي قد تفقد 38 بالمئة من قيمتها السوقية، و(طلعت مصطفى)، وقد يهبط سهمها حتى 23 بالمئة، و(أوراسكوم للإنشاء)، و(بالم هيلز)، و(سوديك)، ربما تخسر عقود بناء البنية التحتية والمرافق والوحدات السكنية والفنادق المتوقعة بما يهبط بأسهمها بين 10 و20 بالمئة، بجانب خسائر شركات مواد البناء، والقطاع المصرفي والتمويلي".

وعن الحد الثاني، أكد أنه "لصالح مصر"، مبينا أن "قرار مثل توقف استثمارات رأس الحكمة يعني بداية انتهاء الدور الإماراتي في مصر، وربما تتأثر القاهرة اقتصاديا لكن أبوظبي ستفقد قدرتها على المنافسة الإقليمية وستنحسر عنها الأضواء تدريجيا"، وخلص للقول: "حال توقف الاستثمار الإماراتي في رأس الحكمة، سيتحول المشروع من كونه محركا أساسيا للاقتصاد والبورصة إلى مصدر كبير لعدم الاستقرار وتراجع الثقة"، مستدركا: لكن ربما يتدخل رأس مال خليجي بديل يمكن أن يوازن - على مستوى الاقتصاد الكلي- الخسائر المتوقعة من توقف المشروع الإماراتي".

إمبراطورية حاكمة على اقتصاد يعاني
في السنوات الأخيرة، حصلت الإمارات على قطاعات واسعة من الاقتصاد المصري وتمكنت من حصص حاكمة في أهم وأخطر المجالات ما يجعلها متحكما رئيسيا في السياسيات الاقتصادية، وفق مراقبين، وتضمنت المشروعات والاستحواذات الإماراتية البارزة في مصر مشروع "رأس الحكمة" بقيمة 35 مليار دولار، ومشروع ميناء سفاجا عبر اتفاقية امتياز مع موانئ أبوظبي لبناء وتشغيل محطة سفاجا متعددة الأغراض، بقيمة 200 مليون دولار، بجانب تطوير وإدارة العديد من الموانئ الأخرى.

اظهار أخبار متعلقة


وعقد تطوير وتشغيل منطقة صناعية ولوجستية على مساحة 20 كيلومترا مربعا، قرب بورسعيد مدة 50 عاما قابلة للتجديد، وإدارة مجمع لوجستي بميناء الإسكندرية على مساحة 1.1 كيلومتر مربع، وفي العقارات والبيع بالتجزئة، تدير مجموعة الفطيم سلسلة متاجر "كارفور" في مصر وتخطط لمضاعفة عدد فروعها إلى 140 فرعا، وتمتلك مجموعة "اللولو" التابعة لـ"القابضة" أبوظبي سلسلة متاجر للبيع بالتجزئة في مصر.

وفي قطاع الأدوية، استحوذت "القابضة" أبوظبي على شركة "آمون" للأدوية، أكبر شركات الأدوية في مصر، فيما استحوذت "أبراج كابيتال" الإماراتية على 12 مستشفى خاصا بينها "كليوباترا"، وبقطاع الأغذية، استحوذت "أغذية" الإماراتية على 70 بالمئة من أسهم "مجموعة أبوعوف" المصرية للأغذية.
التعليقات (0)