استضافت العاصمة
المصرية القاهرة فعاليات النسخة الثالثة من
المؤتمر
العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية لعام 2025 (PHDC’25)،
خلال الفترة من 12 إلى 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، حيث يشكل ملف السكان والصحة
أحد أعقد الملفات في مسيرة التنمية المصرية؛ وقد تناول المؤتمر عددا من المحاور شملت: القضايا الصحية العالمية
في ضوء المحددات الاجتماعية، والتغيرات الديموغرافية والتنمية البشرية في عصر
الذكاء الاصطناعي، وتعزيز العدالة الاقتصادية من خلال نظم الحماية الاجتماعية
الشاملة، والاستثمار في الشباب من أجل التنمية المستدامة حيث التعليم والتعلم بدون
حدود ومدى الحياة.
وفي هذا الإطار، أشار رئيس الوزراء إلى المبادرة الرئاسية
"بداية جديدة لبناء الإنسان"، باعتبارها نموذجا رائدا وتعد أجندة موحدة
تجمع بين
الصحة، والتعليم، والحماية الاجتماعية؛ لتمكين المواطن وتحسين جودة
حياته، في حين أكد نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان أن
التجارب العالمية والتجربة المصرية الناجحة تؤكد أن الصحة ليست مجرد تكلفة، بل هي
استثمار حقيقي في مستقبل أكثر ازدهاراً وعدالة، مشيراً إلى أن كل مبلغ يُنفق على
الصحة يعود أضعافاً مضاعفة في صورة إنتاجية أعلى ومجتمعات أكثر استقراراً وتنمية
بشرية شاملة ، وشدد نائب رئيس الوزراء على أن الصحة العامة هي حجر الزاوية في أي
منظومة قادرة على الصمود أمام الأزمات، سواء كانت صحية أو اقتصادية، موضحاً أن مصر
وضعت الإنسان في قلب استراتيجيتها للتنمية من خلال عدد من المبادرات الرئاسية
الرائدة.
أعلن الوزير أن موازنة وزارة الصحة والسكان قد زادت بأكثر من 9 أضعاف من 42.4 مليار جنيه عام 2014، لتصل إلى 406.47 مليار جنيه خلال عام 2025، مما يؤكد تغير النظرة للإنفاق الصحي ليكون محركاً للنمو بدلاً من كونه مجرد تكلفة.
العرض التقديمي لوزير الصحة والسكان حول الاستثمار في الصحة والعوائد
الاقتصادية والدبلوماسية الصحية يشمل مغالطات كثيرة حول تطور مخصصات وزارة الصحة
والسكان وبأرقام مخالفة للواقع المصري:
أعلن الوزير أن موازنة وزارة الصحة والسكان قد زادت بأكثر من 9 أضعاف
من 42.4 مليار جنيه عام 2014، لتصل إلى 406.47 مليار جنيه خلال عام 2025، مما يؤكد
تغير النظرة للإنفاق الصحي ليكون محركاً للنمو بدلاً من كونه مجرد تكلفة.
وتلك تصريحات غير مطابقة للواقع لأن التطور في الإنفاق الحكومي على الصحة يقاس بالنسبة المئوية من إجمالي
الناتج المحلى وليس بالأرقام المجردة بالجنيه المصري والذى تراجعت قيمته كثيرا
مقابل الدولار خلال السنوات العشر الأخيرة ، ومن الملاحظ أنه خلال السنوات
الماضية، محاولات المسؤولين الحكوميين على التأكيد عن استيفاء النسب الدستورية
للإنفاق الصحة في الموازنة العامة للدولة، إذ كان يُدرج في الموازنة رقمين لمخصصات
كل قطاع، أحدهما يتم تضخيمه ليتوافق مع النسب الدستورية، والآخر هو ما يدرج في
التصنيف الوظيفي لمصروفات للوزارة. حيث ينص دستور 2014 في مادة رقم 18 على تخصيص
نسبة 3% من الإجمالي العام للناتج المحلى للصحة على أن تزيد تدريجيا لتتوافق مع
النسبة العالمية.
ومن الغريب أن السيسى قد أعلن في يونيو 2023 بعدم الالتزام بالنسب
الدستورية للتعليم والصحة: "الدولة دي عشان تصرف كويس عايزة 2 تريليون دولار
في السنة، هتعمل استحقاق دستوري إزاي للتعليم؟ وتقول لي استحقاق دستوري للصحة؟ هو
أنا معايا فلوس للكلام ده.. الأرقام المطلوبة مش موجودة يا جماعة".
ويُظهر البيان المالي لمشروع موازنة العام المالي الحالي 2025/2026،
الآليات الحكومية حتى تتوافق موازنة الصحة للإيفاء بالنسب الدستورية، عبر إضافة
بند سداد ما يخص قطاع الصحة من خدمات الدين العام للدولة، إضافة إلى أن مسمى
قطاعات الصحة يشمل وزارة الصحة ومستشفيات الجيش والشرطة والأزهر والهيئات العامة
ومخصصات هيئة المياه والصرف الصحي.
ومن ثم فقد قُسّمت مخصصات قطاعات الصحة البالغ قيمتها حوالي 618
مليار جنيه وفق البيان المالي لمشروع موازنة العام المالي الحالي، ويكون إجمالي
المخصصات المدرجة لجميع قطاعات الصحة تستوفى نسبة 3%. نظريا حسب تصريحات وزير
الصحة والسكان، على الرغم من ثبات النسبة دون زيادة تدريجية مع الوقت حسب نص
الدستور والذي مر عليه أكثر من عشر سنوات، ولكن في باب التقسيم لمصروفات الموازنة،
يظهر الرقم الحقيقي المخصص لوزارة الصحة بقيمة 246 مليار جنيه، وهو ما يثمل 1.2%
فقط من إجمالي الناتج المحلي، وهو الرقم الذي لا يتوافق مع الاستحقاق الدستوري عام
2014، كما أنه مخالف لتوصيات منظمة الصحة العالمية.
في العرض التقديمي وضح وزير الصحة والسكان أن مصر وضعت الإنسان في
قلب استراتيجيتها للتنمية من خلال عدد من المبادرات الرئاسية الرائدة، وقد تناول
المؤتمر الأمراض النادرة مثل مرض الضمور العضلي الشوكي في الأطفال:
وفى جلسة حوارية بعنوان "إتاحة الوصول إلى الابتكار في القطاع
الصحي: تعزيز التشخيص والعلاج للأمراض النادرة والوراثية"؛ أعلن مساعد وزير
الصحة لشؤون المشروعات والمبادرات الصحية، أهمية الكشف المبكر للأطفال حديثي
الولادة ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض الوراثية، التي نجحت في فحص أكثر من نصف
مليون طفل على مستوى الجمهورية.
وكانت وزراة الصحة والسكان قد أعلنت في شهر يوليو 2021 عن اطلاق
مبادرة علاج مرضى الضمور العضلي الشوكي للأطفال ، وفى مستشفى معهد ناصر بالقاهرة
تم حقن أول حالة لمرضى ضمور العضلات بالعلاج حيث قامت الشركة "نوفارتس" المنتجة بتوفير 100 فرصة
للحصول على الدواء "بالمجان" من
عقار زولجنيزما zolgensma ، بشروط معينة ، وهذا العقار هو العلاج
الجيني الأول من نوعه في العالم الذي يُعطى للمريض عن طريق الحقن الوريدي ولمرة
واحدة فقط، وهو معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ،ويعتبر العقار الأعلى
سعرا في العالم ، ويقوم صندوق تحيا مصر
بالإنفاق على التحاليل الطبية وأجور الإقامة والإجراءات الطبية بالمستشفيات ، ومن
واقع البيانات المنشورة فقد تم حق 48 طفلا فقط حسب السن والفحص ، ومازالت المبادرة
متاحة حتى نهاية 2024 ولكن المعلومات المنشورة عنها قليلة ، وكانت الدكتورة عبلة الألفي، مساعد وزير الصحة
والسكان حاليا قد أعلنت وقتها أن الأبحاث العلمية لم تثبت فاعلية هذه الحقنة باهظة
الثمن في تحقيق نسب شفاء تامة.
الصحة حق من حقوق الإنسان، وعلى جميع البلدان أن تولي الأولوية لتوفير رعاية صحية أولية تتسم بالكفاءة والفعالية من حيث التكلفة، فهذا هو السبيل إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة وبلوغ أهداف التنمية المستدامة
توصيات المؤتمر العالمي الثالث للسكان والصحة والتنمية البشرية شملت
صياغة العديد من الأهداف في مجالات التنمية البشرية وجودة الرعاية الصحية وتنظيم
الأسرة بصورة عامة ترتكز على تعزيز التقدم وإتاحة الفرص:
شملت التوصيات محورين أساسيين؛ وعدة محاور فرعية على النحو التالي:
ـ المحور الأول: السكان والتنمية البشرية وجهان لعملة واحدة: ويشمل:
ضرورة دمج الرؤية التنموية في ملف السكان، باعتماد منظور تنموي شامل يتجاوز تنظيم
الأسرة ليشمل التمكين الاقتصادي والاجتماعي للأسرة. لتحقيق ذلك، والعمل على تحقيق
معدل الإنجاب الكلى ( معدل الخصوبة) بحيث يبلغ 2.1 بحلول عام 2027، عبر خطة سكانية
موحدة تدمج الاستراتيجيات والبرامج السكانية في خطة تنفيذية موحدة، مع تطبيق نهج
"مسار الحياة" بدءًا من مرحلة الألف يوم الذهبية ، وضرورة القضاء على
الاحتياجات غير الملباة والحمل غير المخطط، وذلك بضمان توفر وسائل تنظيم الأسرة
طويلة المفعول فور الولادة، وتطبيق مبدأ "لا للفرص الضائعة"، وتمكين
المرأة اقتصاديا واجتماعيا، عبر رفع مساهمتها في سوق العمل من خلال تشريعات داعمة،
وبرامج ريادة أعمال، وتوفير حضانات مجتمعية ، ورقمنه البيانات السكانية وتحويل
المناطق الحمراء إلى خضراء، من خلال إنشاء منصة رقمية موحدة لمراكز تنمية الأسرة
وغرف المشورة، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل المؤشرات.
المحور الثاني: التنمية البشرية استثمار في رأس المال البشري، ويشمل:
اعتبار التنمية البشرية استثمارًا أساسيًا، وذلك من خلال تعزيز التعليم والتدريب
مدى الحياة كمحرك للتنمية، عبر توسيع التعليم الفني، وإنشاء معاهد جديدة، وإدماج
مهارات الذكاء الاصطناعي في المناهج، لتوجيه الشباب نحو المهن المستقبلية ، وتمكين
الشباب والفتيات كقوة دافعة للنمو، من
خلال دعم برامج القيادة وريادة الأعمال للشباب والنساء، وتصحيح الأدوار الجندرية
داخل الأسرة، وإشراك الشباب في صنع السياسات وتوفير حماية اجتماعية شاملة ومرنة،
توسع مظلتها لتشمل العاملين غير الرسميين، وربطها بالتأمين الصحي والتعليم، ودعم
انتقالهم إلى العمل الرسمي، وتعزيز التعاون متعدد الأطراف والشراكات، بإنشاء منصات
إقليمية ودولية لتبادل الخبرات في مجالات الذكاء الاصطناعي، ونهج "الصحة
الواحدة"، والحماية الاجتماعية، بمشاركة الأمم المتحدة والقطاع الخاص.
وبصورة عامة فقد جاءت تلك التوصيات مطابقة إلى حد كبير مع توصيات
المؤتمر السابق في العام الماضي؛ والتي تحقق بعضها بصورة جزئية؛ كما ورد في تقرير
الهيئة العامة للاستعلامات بتاريخ 14 نوفمبر الجاري، ولكن تبقى النقطة المحورية
الهامة والتي تشمل القصور الواضح في نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة، حيث أنها
مازالت أقل من الاستحقاق الدستوري ولا تفي بتمويل الاحتياجات الصحية للمواطنين،
وهذا يفسر الاعتماد على المبادرات الرئاسية والممولة من القروض الخارجية والمنح
والتبرعات والتي تعني غياب الديمومة والاستمرارية، وذلك على الرغم من تأكيدات
الحكومة بأهمية الاستثمار في الصحة على خلاف ما يتم واقعيا؛ حيث أن "الصحة حق
من حقوق الإنسان، وعلى جميع البلدان أن تولي الأولوية لتوفير رعاية صحية أولية
تتسم بالكفاءة والفعالية من حيث التكلفة، فهذا هو السبيل إلى تحقيق التغطية الصحية
الشاملة وبلوغ أهداف التنمية المستدامة "حسب توصيات منظمة الصحة العالمية.