ومع ميل الشباب الجمهوريين أكثر نحو معاداة «إسرائيل» وتبني خطاب معادٍ للسامية، وازدياد تأثير شخصيات يمينية تتحدث بلغة تشبه خطاب نيك فوينتس، يواجه هذا التحول مقاومة من المتبرعين الجمهوريين، ما يؤخر انتصار التيار المتطرف رغم وضوح اتجاهه ريتشارد هانينا.
يُعد هانينا من أبرز الشخصيات المؤثرة في قاعدة الرئيس الأمريكي
ترامب المعروفة باسم لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا MAGA ويشغل منصب رئيس مركز الدراسات الحزبية والأيديولوجيا CSPI، كما يُعرف بأفكاره اليمينية وانتقاداته الشديدة لحركة Woke (الوعي أو اليقظة) المناهضة للعنصرية.
ويرى أن الكيان هو آخر العقبات أمام سيطرة اليمين القومي الأبيض على المحافظين في الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن قاعدة الرئيس تتبنّى أربعة مبادئ أساسية: تقليل الهجرة للحفاظ على الهيمنة البيضاء، الفصل بين المسيحيين البيض وغير البيض، تصنيف الأمريكيين وفق العرق والدين والأصول، واعتماد سياسات الهوية كمرتكز للحياة السياسية والاجتماعية.
ونتيجة هذا التحول داخل قاعدة ترامب الشعبية وتراجع الحماس تجاه الكيان، يمارس ترامب ضغوطًا مباشرة على مجرم الحرب
نتنياهو للالتزام بوقف إطلاق النار في
غزة ووقف الهجمات في سوريا والدخول في مفاوضات مع لبنان، مقابل أن يتدخّل لدى رئيس
الاحتلال إسحاق هرتسوغ لمنح نتنياهو عفوًا في قضايا الفساد. تلك هي الصفقة غير المعلنة بين الرجلين!
وبالفعل، بدأت نتائج هذه الضغوط تظهر بعد اتصال هاتفي بين ترامب ونتنياهو يوم الاثنين الماضي؛ إذ وافق نتنياهو على فتح معبر رفح جزئيًا، والمشاركة في محادثات برعاية أمريكية مع لبنان، كما صرّح بإمكانية التوصل إلى اتفاق أمني مع سوريا، وَلَمَّح إلى احتمال انسحاب الكيان من مناطق احتلها بعد سقوط نظام الأسد.
ولفرض خطته للسلام في غزة والانتقال للمرحلة التالية، دعا ترامب نتنياهو لزيارة البيت الأبيض أواخر الشهر الجاري، في زيارة ستكون الخامسة منذ عودة ترامب إلى المكتب البيضاوي وهو امتياز لم يحظَ به أي زعيم آخر في العالم. وتشير تسريبات إلى أن ترامب قد يطلب علنًا من نتنياهو إطلاق سراح مروان البرغوثي، بوصفه المرشح الفلسطيني الأكثر شعبية والأوفر حظًا في الانتخابات المقبلة.
على الجانب الفلسطيني، يحاول الرئيس استثمار هذا التحول داخل الولايات المتحدة عبر الاستجابة لمطالب واشنطن وأوروبا بإصلاح السلطة الفلسطينية، وتشمل الإصلاحات ضمان الحكم الرشيد، تعزيز الشفافية، إجراء انتخابات حرة، تمهيد انتقال القيادة إلى جيل جديد، مكافحة الفساد، إبعاد حماس عن العملية السياسية، إضعاف المجموعات المسلحة في الضفة، وتقليص الفجوة بين الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية، على أمل أن تؤهّل هذه الإصلاحات السلطة لتكون اللاعب الرئيسي في غزة.
لذلك جدّدت وزيرة الخارجية الفلسطينية فارسين آغابكيان دعمها لفكرة نشر قوة دولية لحفظ الاستقرار في غزة وفق خطة ترامب، وقد تزامن ذلك مع حصول السلطة على رواتب موظفيها بتمويل عربي ، ومع موافقة دول عربية على المشاركة في نواة قوة حفظ سلام طمعا أن تنتهي الخطة بإقامة دولة فلسطينية.
ويتوقع خبراء أن تُعلن إدارة ترامب، قبل زيارة نتنياهو المقبلة، تشكيل لجنة فلسطينية من شخصيات مستقلة وتكنوقراط لإدارة الشؤون اليومية في غزة تخضع لإشراف مجلس سلام يرأسه ترامب نفسه، وتبقى قائمة حتى تُنقل صلاحياتها إلى السلطة بعد اكتمال إصلاحها. وفي المقابل، تتحدث تقارير عن نقاشات داخل حماس حول إمكانية تحوّلها إلى كيان سياسي بحت مقابل التخلي عن السلاح.
لقاء البيت الأبيض سيكون لحظة مفصلية
وسط كل هذه الضغوط التي تجعل نتنياهو يبدو أداة بيد ترامب وتهدد استقرار ائتلافه، يحاول نتنياهو الظهور بمظهر القائد المستقل عبر معارضة ترامب في ملف مقاتلي حماس داخل الأنفاق.
ففي الاتصال الأخير، سأله ترامب: لماذا تقاتلون محاصرين داخل الأنفاق بدل السماح لهم بالخروج والاستسلام؟ كما طرح مبعوث نتنياهو ويتكوف مقترحًا بالعفو عن كل من يُلقي سلاحه، لكن حماس رفضت وطالبت بممر آمن لمقاتليها، ما قد يفسر موافقة نتنياهو على فتح معبر رفح لخروجهم رغم الرفض العربي القاطع لذلك.
أرى أن لقاء البيت الأبيض سيكون لحظة مفصلية. ورغم عدم القدرة على التنبؤ بنتائجه ، إلا أن انقسام قاعدة ترامب تجاه الكيان، وضغوط حلفاء واشنطن لإنهاء المجزرة في غزة، ورغبة الإدارة في تهدئة الجبهتين السورية واللبنانية، إلى جانب سعي الولايات المتحدة للتفرغ لصراعها مع الصين واحتمال مواجهة مع فنزويلا كل ذلك يجعل من الاجتماع المرتقب نقطة تحول قد تعيد رسم خريطة المنطقة وتكبح جماح نتنياهو.
الدستور الأردنية