ملفات وتقارير

رفاق السلاح.. ما مصير المقاتلين الأجانب في سوريا؟

المقاتلون الأجانب اعتبروا أن العملية استهدافا ممنهجا لهم- أرشيفية
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تدفق عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب من دول عربية وإسلامية وآسيوية وأوروبية، وانخرطوا في القتال ضد نظام بشار الأسد. ولعب هؤلاء دورا مهما في المعارك التي حسمت مصير الشمال السوري، وساهموا في هيمنة هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، المعروف سابقا بأبي محمد الجولاني.
 
ويعد مصير آلاف المقاتلين الأجانب، الذين تولّى القليل منهم مناصب في الحكومة الجديدة، أحد أبرز العقبات أمام رفع العقوبات عن سوريا، وطالبت الدول الغربية بإبعادهم كشرط أساسي لتخفيف العقوبات، غير أن الرئيس السوري أحمد الشرع، وفق ما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز"، يواجه معضلة حساسة، إذ يسعى إلى إرضاء المقاتلين الأجانب لتجنب انقلابهم ضده أو تنفيذ عمليات انتقامية داخل البلاد.

وشكل اجتماع الرياض في أيار/مايو 2025، الذي جمع الرئيس الشرع بنظيره الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نقطة تحول حاسمة، فقد طالبت واشنطن دمشق بخمسة شروط واضحة، أبرزها ترحيل المقاتلين الأجانب، وإبعاد "المسلحين الفلسطينيين"، وتسليم إدارة مراكز احتجاز عناصر تنظيم الدولة إلى السلطات السورية.

في المقابل، ربط ترامب رفع العقوبات الأمريكية بتنفيذ هذه البنود، ما وضع الشرع أمام معادلة صعبة بين إرضاء الحلفاء الدوليين والحفاظ على تحالفاته الداخلية.

وفي تصريح لافت مغاير للواقع، ألمح الشرع في مقابلة مع "نيويورك تايمز" إلى إمكانية منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين عاشوا في البلاد سنوات طويلة و"ثبتوا إلى جانب الثورة"، بحسب تعبيره، مما أثار هذا الطرح قلقا واسعا في الأوساط الغربية التي تخشى من تحول سوريا إلى ملاذ آمن للجهاديين، فيما حاول الشرع طمأنة المجتمع الدولي بتأكيده التزام بلاده بمنع استخدام أراضيها لتهديد أي دولة أخرى.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في تحقيق ميداني إن ملف المقاتلين الأجانب لا يزال محور جدل داخلي ودولي في ظل التحولات السياسية الراهنة، مشيرة إلى أن جزء من السلطات السورية الجديدة تعتبرهم "رفاق سلاح"، بينما تنظر إليهم الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بقلق بالغ الأهمية.

ولفتت الصحيفة إلى أن كثيرا من هؤلاء المقاتلين لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم خوفًا من الملاحقة القضائية، ما يجعل ارتباطهم بالمجتمع السوري أكثر تعقيدا.

وفي ريف إدلب، نقلت الصحيفة عن مقاتل مصري متزوج من سورية قوله: "هذا بيتي الآن، لا أملك مكانا آخر أذهب إليه"، مشيرا إلى أنه لا يستطيع العودة إلى مصر خوفا من الاعتقال، كما نقلت عن المقاتل الداغستاني عبد الله أبريك (36 عاما)، الذي يعمل في مجال الاستيراد في دمشق، قوله: "من المستحيل أن يتخلى عنا الشرع، كنا أمامه وخلفه وبجانبه"، معربا عن رغبته في الحصول على جواز سفر سوري.

وبحسب تقديرات دبلوماسية، يتراوح عدد المقاتلين الأجانب المتبقين في سوريا بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف، ومعظمهم من الإيغور ودول خاضعة لروسيا ودول عربية.

وكانت الاشتباكات الأخيرة في إدلب، التي وقعت بين القوات الحكومية ومجموعة تدعى "كتيبة الغرباء" من المقاتلين الفرنسيين في "مخيم الفرنسيين" بمدينة حارم شمالي إدلب، قد سلّطت الضوء على هذا الملف المعقد.

وانتهت المواجهات باتفاق يقضي بسحب الأسلحة الثقيلة من محيط المخيم وفتح الطريق أمام الحكومة لدخوله، مع إحالة قضية خطف فتاة أشعلت الاشتباكات إلى وزارة العدل، كما تم تكليف ثلاثة جهاديين أجانب من آسيا الوسطى بمتابعة ملف زعيم المجموعة "عمر أومسين" المعروف أيضًا باسم "عمر ديابي".

وأعاد الهجوم على "مخيم الفرنسيين" فتح النقاش حول مستقبل المقاتلين الأجانب في "سوريا الجديدة"، وسط مخاوف من اندلاع تمرد جديد، إذ لم تتمكن الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الانتقالية و"هيئة تحرير الشام" من عزل المقاتلين الفرنسيين بقيادة أومسين عن بقية المقاتلين الأجانب قبل الهجوم.

وتسببت الرواية الحكومية الضعيفة في تعزيز التعاطف مع أومسين، الذي ظهر بمظهر الضحية بعد اتهامه باختطاف فتاة فرنسية.

وأدى الهجوم إلى توتر داخل صفوف المقاتلين الأجانب، خاصة من الحزب الإسلامي التركستاني والمقاتلين الأوزبك، الذين اعتبروا العملية استهدافا ممنهجا لهم، ما زاد من الشكوك تجاه نيات الشرع في القضاء على هذه المجموعات بالتدريج تنفيذا لأجندة دولية.

وأفاد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الرئيس أحمد الشرع كان قد تعهد في أيار/مايو الماضي بحل قضية المقاتلين الفرنسيين وتسليم بعض الجهاديين إلى فرنسا، وأوضح أن الهجوم على المخيم جاء تحت ذريعة تحرير فتاة مختطفة، وأن الأوضاع هدأت بعد تدخل الأوزبك وعدد من المقاتلين الأجانب خشية تصعيد المواجهات.



في المقابل، نقلت مصادر أمنية لـ"روسيا اليوم" أن اعتقالات المقاتلين الفرنسيين جرت بموجب تفاهم سري مع المخابرات الفرنسية، ضمن التزام حكومة الشرع بالحد من نشاط الجهاديين الأجانب. وأشارت إلى أن الاعتقالات شملت مقاتلين من فرنسا وأوزبكستان والشيشان وتونس ومصر، وأنه تم إنشاء قسم خاص في وزارة الدفاع يُعرف باسم "مكتب متابعة العناصر الأجنبية" يتولى التحقيق والإحالة القضائية.

كما نقل بعض الموقوفين إلى قاعدة التنف شرقي البلاد ضمن تفاهمات مع التحالف الدولي لتسليم متشددين مطلوبين.

وأكدت مصادر غربية أن دمشق قدمت قوائم إلى منظمة الإنتربول تضم نحو 1200 مقاتل أجنبي محتجز أو فار داخل الأراضي السورية، وذكرت أن الحملة الأخيرة ليست مجرد رد فعل مؤقت، بل تمثل سياسة أمنية جديدة في عهد الشرع تهدف إلى إثبات التزام حكومته بمكافحة الإرهاب أمام واشنطن وباريس، والسيطرة على التيارات الجهادية التي كانت حتى وقت قريب جزءًا من حلفائه العقائديين.