ملفات وتقارير

فرحة بين الركام.. كيف تمكن طلاب في غزة من اجتياز "التوجيهي"؟

انتزع آلاف من طلبة التوجيهي نجاحا استثنائيا متحدين الظروف العصيبة والواقع المأساوي الذي حل في قطاع غزة على وقع حرب استمرت عامين كاملين- الأناضول
أصبح قطاع التعليم في غزة أحد أكبر القطاعات تضررًا بسبب حرب الإبادة الجماعية، والتي حرمت عشرات الآلاف من الطلاب من الالتحاق بفصولهم الدراسية، على وقع نزوح متواصل، وعمليات قتل وحشية، وتدمير واسع للمدراس والمراكز التعليمية.

ورغم ذلك، انتزع آلاف من طلبة (التوجيهي)، نجاحا استثنائيا، أخيرا، متحدين الظروف العصيبة، والواقع المأساوي الذي حل في قطاع غزة على وقع حرب استمرت عامين كاملين، حصدت عشرات آلاف الأرواح، ودمرت كل شئ تقريبا، مخلفة وراءها مآسي وآلام لا تمحى.


عامان دون مدراس
مر عامان كاملان على آلاف من طلبة توجيهي في غزة دون أن يتمكنوا من التقدم للامتحانات التي تعرف أيضا في فلسطين بـ"الثانوية العامة"، والتي تلقى اهتماما واسعا في غزة، وفلسطين عموما، حيث يبنى عليها مستقبل التعليم الجامعي، قبل أن تستحدث وزارة التربية والتعليم نظاما إلكترونيا جديدا، يمكن هؤلاء الطلاب من التقدم للامتحانات أخيرا بعد انتظار طويل.

متى بدأ التقدم للامتحانات؟
عادة ما يتم التقدم لامتحانات التوجيهي في كل من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة في الثلث الأخير من شهر آيار/ مايو من كل عام وعلى مدار شهر كامل تقريبا، لكن طلاب غزة لم يتمكنوا من الالتحاق بدروتي 2024، و2025 بسبب حرب الإبادة الجماعية، وظروف النزوح، وعدم انتظام العملية التعليمية برمتها في غزة، إذ إن الجزء الأكبر من المدارس دمرته قوات الاحتلال، فيما يجري استخدام ما تبقى منها لإيواء النازحين من ويلات الحرب الوحشية.

ولكن، في أيلول/ سبتمبر الماضي استحدثت وزارة التربية والتعليم نظاما إلكترونيا استثنائيا خاصا بطلبة غزة، مكّن أول دفعة من الطلبة المتأخرين لعامين كاملين من التقدم للامتحانات عبر تطبيق خاص.


صعوبات هائلة
واجه المتقدمون في هذه المرحلة صعوبات جمة، منها ظروف النزوح المتكرر، خصوصا أولئك الذين اضطروا للانتقال من مناطق شمال غزة إلى الجنوب على وقع استمرار عملية احتلال شمال القطاع، إلى جانب ظروف الحياة في الخيام، حيث الحر الشديد في ذلك الوقت، فضلا عن انقطاع الكهرباء عن القطاع، وصعوبة توفير خدمة الانترنت في تلك الظروف الصعبة، إضافة إلى العوامل النفسية الصعبة التي عانى منها الطلاب بسبب الحرب الوحشية على قطاع غزة.

كم عدد الطلاب الناجحين في غزة؟
مكن النظام الاستثنائي نحو 56 ألف طالب في غزة من مواليد عامي 2006 و2007 من التقدم للامتحانات على دفعتين متتاليتين الأولى نجح فيها 26 ألف طالب، والثانية والتي أعلن عن نتائجها أمس الخميس، ونجح فيها نحو 30 ألف طالب وطالبة ، ليصبح هؤلاء مؤهلين للالتحاق بالجامعات. وفق بيانات لوزارة التربية والتعليم اطلعت عليها "عربي21"

وأعلنت نتائج الثانوية العامة في قطاع غزة الخميس، وحازت أعداد كبيرة من الطلبة على معدلات عالية، رغم النزوح المتواصل والقصف على مدار الساعة وحالة الفقد الكبيرة في القطاع واستشهاد عائلات بأكملها.

فرحة خجولة وقصص نجاح
وفي شوارع غزة ومخيمات النزوح، وفوق ركام المنازل المدمرة، سادت أجواء فرح خجول بين الأهالي رغم بساطة الاحتفال وقسوة الواقع.

فالعائلات التي فقدت بيوتها وجزءا من أفرادها حاولت التعبير عن فرحتها بنجاح أبنائها عبر صور متواضعة، وأغان تشغل عبر مكبرات صغيرة، أو توزيع بعض الحلوى على الجيران في الخيام.

وتداول نشطاء على مواقع التواصل فيديوهات عديدة تروي قصص طلاب انتزعوا النجاح من وسط الركام والمنازل المدمرة، في ظل إصرارهم على إكمال مسيرتهم التعليمية متمكنين من حصد معدلات عالية، بينهم طلاب من جرحى حرب الإبادة، أو من أولئك الذين فقدوا آباءهم أو أمهاتهم أو أفرادا من عائلاتهم، فيما كان الفصل الأكثر مأساة تفوق طالبة لم تتمكن من الفرح، وهي الطالبة، ضحى أبو دلال التي استشهدت في مجزرة اسرائيلية قبل أن تعلم أنها حصلت على معدل بلغ 96.7%.




واقع تعليمي صعب في غزة
تأتي هذه الامتحانات في ظل واقع تعليمي مأساوي، إذ أعلنت وزارة التربية والتعليم أن نحو 95% من المباني التعليمية في غزة تضررت، و85% منها خرجت عن الخدمة بشكل كلي أو جزئي نتيجة القصف الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

ووفق بيانات وزارة التربية والتعليم العالي حتى أيلول/ سبتمبر الماضي، استشهد منذ بدء العدوان 16 ألف و607 طلاب، وأصيب 26 ألف و271 بجروح، فيما فقدت الضفة 137 طالبًا، وأصيب 897، إضافة إلى اعتقال 754 آخرين. 
كما استشهد 914 معلمًا وإداريًا وأصيب 4 الاف و363، واعتُقل أكثر من 196 في الضفة.


التعليم في غزة قبل حرب الإبادة
بحسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2023، فقد بلغ عدد المدارس في قطاع غزة 796 مدرسة توزعت بين مدارس حكومية تشرف عليها وزارة التربية في السلطة الفلسطينية، ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بالإضافة إلى المدارس الخاصة، في حين بلغ عدد المباني المدرسية 550 مبنى فقط.

وكان عدد الطلاب في كافة أرجاء القطاع، أكثر من 608 آلاف طالب وطالبة، ويشرف على تعليمهم 22 ألف معلم ومعلمة.

أما على مستوى التعليم العالي، فيعد قطاع غزة من أكثر المناطق في الوطن العربي إقبالا على التعليم الجامعي ونسب الحاصلين على الشهادة الجامعية الأولى، حيث كان يوجد في القطاع 17 جامعة ومؤسسة تعليمية عالية، فضلا عن جامعة مفتوحة، مرتبطة بالضفة الغربية، وبلغ عدد الطلبة الجامعيين في غزة، 87 ألف طالب وطالبة.

فيما بلغ عدد الأكاديميين قبل بدء الإبادة، علاوة على الإداريين في القطاع الجامعي، قرابة 5 آلاف وهي أرقام مرتفعة في مساحة جغرافية متواضعة مقارنة بالدول العربية.