نشرت وسائل إعلام
إسرائيلية، الخميس٬ ما قالت إنها قائمة صادرة عن “مصادر أمنية رفيعة” تتضمن الأطراف التي تصنفها تل أبيب على أنها “تهديد مباشر لأمن إسرائيل على الساحة السورية”، في خطوة وصفت بأنها تمهيد سياسي وأمني لمرحلة تفاوضية شديدة التعقيد مع دمشق، بالتوازي مع ضغوط أمريكية لإعادة فتح قنوات الحوار.
وبحسب ما أوردته وسائل الإعلام الإسرائيلية، تضمنت القائمة ما اسمته تنظيمات سلفية وجهادية “مارقة” لا تخضع لسيطرة النظام الانتقالي في
سوريا، إلى جانب إيران، وحزب الله، وجماعة الحوثي، والجماعة الإسلامية في لبنان، إضافة إلى تنظيم داعش وجماعات جهادية أخرى تنشط في سوريا وفق ما وصف بـ”أجندات شديدة التطرف”.
وفي المقابل، استبعد النظام السوري الجديد من القائمة، رغم تحميل المصادر الإسرائيلية نفسها إياه مسؤولية تحويل سوريا إلى “ساحة خطرة تنشط فيها عناصر إرهابية متعددة”، بمن فيهم مقاتلون منضمون فعليا إلى الجيش السوري الناشئ، وفق التوصيف الإسرائيلي.
وثيقة سياسية لا تقدير استخباري
غير أن اللافت، وفق قراءة تحليلية تداولتها وسائل إعلام إسرائيلية، أن هذه القائمة لا تستند إلى معلومات استخبارية أو تحليل أمني مهني، ولا تعد تسريبا تقليديا عن تقييمات داخلية، بل تبدو أقرب إلى وثيقة سياسية موجهة تخدم هدفين رئيسيين:
الأول، توسيع سلة الشروط المسبقة التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي أمام أي اتفاق أمني مع دمشق.
والثاني، تهيئة البيئة السياسية لتبرير اعتداءات إسرائيلية مستقبلية داخل سوريا، بذريعة استهداف الأطراف الواردة في القائمة.
ويأتي نشر هذه “الوثيقة” بعد 48 ساعة فقط من لقاء جمع المبعوث الأمريكي إلى سوريا توم براك برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وكبار قادة المؤسسة الأمنية، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام إسرائيلية.
واشنطن تضغط… وتل أبيب ترفع السقف
ووفق المصادر نفسها، ركز اللقاء على الوضع السوري، حيث طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل تجديد المفاوضات مع الحكومة لسورية برئاسة أحمد
الشرع، وتقييد العمليات العسكرية داخل سوريا، والامتناع عن أي خطوات قد تفسر كتهديد مباشر للرئيس الانتقالي.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن براك وصفه الشرع، خلال اللقاء، بأنه “حليف يسعى إلى الاستقرار”، في توصيف يعكس المقاربة الأمريكية الجديدة تجاه دمشق.
غير أن الاحتلال الإسرائيلي، بحسب التحليل ذاته، يسعى لرفع ثمن أي اتفاق محتمل. فخلال اللقاء، طلب براك من نتنياهو استئناف الحوار المباشر مع دمشق بعد تعثره في أيلول/سبتمبر الماضي، عندما كان الاتفاق الأمني على وشك الإعلان قبل أن تجمده تل أبيب رسميا.
وأكد نتنياهو، بحسب المصادر الإسرائيلية، أنه سيعين ممثلا خاصا لرئاسة الفريق التفاوضي خلفا للوزير السابق رون ديرمر، في إشارة محتملة إلى نية استئناف الحوار، لكن ضمن سقوف إسرائيلية مرتفعة.
شروط مسبقة ومرونة مشروطة
وترى أوساط إسرائيلية أن نشر “وثيقة التهديدات” يهدف إلى فرض قيد مسبق على أي مسار تفاوضي، ومفاده: لا اتفاق أمني مع دمشق ما لم تثبت حكومة الشرع قدرتها على ضبط التنظيمات المسلحة التي تستخدم الأراضي السورية كمنطلق لتهديد الاحتلال الإسرائيلي.
وبسبب اتساع القائمة وغموض تعريفاتها، تمتلك تل أبيب، وفق التقديرات نفسها، هوامش مناورة واسعة: إما المضي في المفاوضات عند تحقيق تقدم ميداني، أو استخدام غياب هذا التقدم ذريعة للتنصل من الالتزامات أو التصعيد العسكري.
محادثات مستمرة بعيدا عن الأضواء
في سياق متصل، أفاد موقع “معاريف أونلاين”، نقلا عن مصادر في واشنطن تحدثت إلى قناة العربية السعودية، بأن المحادثات بين ممثلي الحكومتين السورية والإسرائيلية لا تزال مستمرة بعيدا عن الإعلام، رغم أنها لم تحقق تقدما ملموسا حتى الآن.
وأكدت المصادر أن الولايات المتحدة تبدي استعدادا كاملا لدعم الحكومة السورية، مشيرة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتخذ خطوات عملية هذا العام، بالتوازي مع خطوات من الرئيس السوري أحمد الشرع.
وذكرت أن ترامب التقى الشرع في الرياض بطلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث شدد الرئيس السوري على التزامه بمكافحة تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية.
تباينات داخل الإدارة الأمريكية
وبحسب التقرير، ثمة تباين داخل الإدارة الأمريكية بشأن شكل الدولة السورية المستقبلية. فبينما تؤكد مصادر أن دمشق، بدعم تركي، تسعى إلى بناء دولة مركزية وترفض الفيدرالية، يرى تيار آخر داخل الإدارة الأمريكية أن اللامركزية والفيدرالية تمثلان ضمانة لحقوق الأقليات.
وأشار التقرير إلى أن هذا الاتجاه يتقاطع مع المطالب الإسرائيلية، خصوصا في ما يتعلق بالدروز السوريين، إذ أبلغت واشنطن تل أبيب مرارا بأن الدروز في الاحتلال الإسرائيلي يشكلون قوة سياسية مؤثرة، ويطالبون بحماية دروز جنوب سوريا.
شروط دمشق… وتحفظات تل أبيب
ونقلت “
معاريف أونلاين” أن دمشق أبلغت واشنطن استعدادها لاتخاذ خطوات تقارب مع تل أبيب٬ مؤكدة أنها لا تريد أن تكون منطلقا لتهديد أمن جيرانها، لكنها اشترطت:
أولا، انسحاب إسرائيل من الأراضي السورية ووقف أي تدخل مباشر مع الدروز.
ثانيا، حل قضية شمال شرق سوريا مع قوات سوريا الديمقراطية، مع استمرار الدعم التركي للدولة السورية.
في المقابل، جدد الاحتلال الإسرائيلي، بحسب التقرير، رفضه لأي نفوذ تركي في سوريا، وأبلغ واشنطن أن أنقرة يجب ألا تكون حاضرة عسكريا على الأراضي السورية.
كما تعهدت إسرائيل بأن المناطق التي تسيطر عليها حاليا لن تضم أو تحتل، وستعاد إلى سوريا بعد التوصل إلى تفاهمات أمنية وسياسية، لا سيما في المنطقة الممتدة من جنوب دمشق حتى هضبة
الجولان.
الاستقرار ومنع الإرهاب
وأكد مصدر أمريكي لقناة العربية أن إدارة ترامب تعتبر القضاء على الإرهاب في سوريا أولوية قصوى، مشددا على أن عدم الاستقرار يُعد تهديدا مباشرا للأمن الأمريكي.
وأضاف أن واشنطن تنظر إلى تعاونها مع شركائها في سوريا باعتباره “استثمارا استراتيجيا”، مستشهدا بتجربة العراق التي قال إنها مكنت القوات المحلية من السيطرة على الأرض، ومهدت لانسحاب القوات الأمريكية مع ضمان الاستقرار.
وختم المصدر بالتأكيد على أن ملف السلام بين سوريا وإسرائيل سيناقش لاحقا على أعلى المستويات، بما في ذلك مع الرئيس الأمريكي، في وقت تبقى فيه المفاوضات محكومة بحسابات إقليمية معقدة وسقوف إسرائيلية مرتفعة.