صحافة دولية

صحيفة روسية: أوروبا تفرض حظر تجول ضد "القوة الناعمة" للصين

سلطت الصحيفة الضوء على تقرير حول تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على الأطفال- الأناضول
سلطت الصحيفة الضوء على تقرير حول تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على الأطفال- الأناضول
نشرت صحيفة "فزغلياد" الروسية تقريرًا سلطت خلاله الضوء عن تقرير أعدته لجنة برلمانية فرنسية حول تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على الأطفال والمراهقين، ما دفع السلطات الفرنسية إلى اقتراح تدابير صارمة تشمل حظر المنصات على القاصرين.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إن لجنة برلمانية فرنسية حذّرت من أن رفاهية الشباب في فرنسا باتت مهددة، وأن شبكة التواصل الاجتماعي "تيك توك" تمثل أكبر هذه المخاطر.

وتضيف الصحيفة أن اللجنة أشارت إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة، تتضمن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن الخامسة عشرة، وفرض ما يشبه "حظر تجوال رقمي" على المراهقين بين 15 و18 عامًا.

ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها "تيك توك" هجمات وانتقادات من السلطات الغربية ووسائل الإعلام، التي تتملّكها المخاوف تجاه أي منصة لا يمكن التحكم فيها، وخصوصًا تلك التي تُعدّ أدوات لنشر التأثير الأيديولوجي. وبما أن "تيك توك" مملوك لشركة صينية، فقد ظل منذ البداية مصدر شكوك وانتباه متواصل لدى الغرب.

اظهار أخبار متعلقة



ونقلت الصحيفة  عن "لوباريزيان" أن "شبكة التواصل القوية المملوكة للمجموعة الصينية بايت دانس تتعرض منذ سنوات لرقابة دقيقة من قبل الحكومات الغربية، التي تخشى علاقاتها ببكين وإمكانية استخدام بيانات مستخدميها لأغراض تجسسية أو دعائية". وفي مادة أخرى، لخصت خبيرة الأمن السيبراني يسرى جراية بشكل واضح أبرز الانتقادات الغربية الموجّهة إلى "تيك توك".

وأفادت الصحيفة أنه من الواضح أن "تيك توك" أصبح أداة للنفوذ الناعم، إذ يُستخدم لترويج محتوى يصوّر الصين بصورة إيجابية وتشجيع محتوى آخر يعكس القيم والثقافة الصينية. ومن منظور الأمريكيين، الذين اعتادوا على السيطرة على أدوات النفوذ الناعم، يبدو من اللافت والمفاجئ رؤية دولة أخرى قادرة على ممارسة تأثير مماثل على الجمهور العالمي.

وجاء هذا التصريح في وقت كانت الولايات المتحدة تدرس فيه مجددًا مشروع حظر "تيك توك"، لكنه يعكس في جوهره اعترافًا أساسيًّا: الغرب يرى أنه من حقه وحده التحكم في الأدوات التي تؤثر في العقول، بينما يُمنع أي طرف آخر من امتلاك مثل هذه الوسائل.

وبحسب الصحيفة؛ فعلى عكس نظرائهم في الولايات المتحدة، لا يملك المسؤولون الأوروبيون القدرة على السيطرة على "تيك توك"، فاختاروا اتباع نهج مختلف؛ حيث يكتسب التطبيق أهمية خاصة نظراً لشعبيته الكبيرة بين فئة الشباب، ما يمنحه قدرة فعلية على تشكيل وعيهم ورؤيتهم للعالم.

وأفادت الصحيفة أنه من منظور صانعي القرار الغربي، الطريقة الوحيدة للحد من هذا التأثير هي الحظر، مع ضرورة تقديمه على أنه إجراء يهدف بشكل كامل إلى حماية مصالح المواطنين وضمان رفاهيتهم.

اظهار أخبار متعلقة



وفي 11 أيلول/ سبتمبر، نشرت وسائل الإعلام الفرنسية بشكل متزامن على صفحاتها الأولى خبر تقديم اللجنة البرلمانية، المكلفة بتقييم "الأثر النفسي لشبكة تيك توك على القاصرين"، تقريرها الذي حاز على موافقة بالإجماع.

من جانبه، حذّر عضو البرلمان الفرنسي آرثور ديلابورت، رئيس اللجنة، قائلاً: "استناداً إلى نتائج عمل اللجنة… الحكم واضح: هذه المنصة تعرض أطفالنا وشبابنا عمداً لمحتوى سام وخطير يسبب الإدمان".

وأشار ديلابورت إلى أن "تيك توك" يمثل في جوهره "محیطاً من المحتوى الفوضوي"، وهي عبارة نادراً ما يستخدم مثلها في تقرير رسمي صادر عن لجنة برلمانية فرنسية.

ولفت معدو التقرير إلى أن "تيك توك" وغيرها من المنصات تستغل نقاط الضعف النفسية لدى المستخدمين دون سن 18 عاماً، مشيرين إلى وجود " ارتباط واضح" بين الاستخدام المكثف لهذه الشبكات وتدهور الصحة النفسية لدى الشباب.

ووفقاً لتقرير اللجنة، قضى 30 نائباً من أعضاء اللجنة ستة أشهر كاملة في دراسة آليات عمل "تيك توك" وتأثيرها النفسي على الأطفال والمراهقين، حيث استمعوا خلال هذه الفترة إلى نحو 180 شخصاً في أكثر من 90 ساعة من جلسات الاستماع.

واستنتجت اللجنة أن "المنصة، من خلال آليات الانتشار الفيروسي للمحتوى الإشكالي، تساهم في نشر أيديولوجيات سياسية سلبية تتعارض مع حقوق الإنسان".

ويجدر التوضيح أن "تيك توك" صُمم في الأصل للشباب، الذين لا تهتم شريحتهم عادة بالسياسة، ما يجعل العثور على محتوى سياسي على المنصة أمراً صعباً. ومع ذلك، هناك من يرى في أي فيديو، حتى لو كان عن المطبخ الصيني، دعاية لأيديولوجية معينة.

اظهار أخبار متعلقة



وأفادت الصحيفة أن النواب يرون أن الشباب بحاجة إلى حماية، إلا أن الحل الذي اقترحوه مبالغاً فيها، كما لو كان العلاج الموصى به للصداع هو قطع الرأس. إذ يقترحون حظر جميع وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون سن 15 عاماً، لا "التيك توك" فقط، بحجة حمايتهم.

أما بالنسبة للقاصرين بين 15 و18 عاماً، فقد تقرّر إبقاؤهم تحت الرقابة. بموجب الاقتراح، يُسمح لهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لكن ضمن "حظر رقمي" يمتد من الساعة العاشرة مساءً وحتى الثامنة صباحاً. كما تقترح اللجنة تحميل الآباء مسؤولية مراقبة الالتزام بهذا القانون، وإدخال مفهوم "إهمال الرقابة الرقمية" ضمن الإطار القانوني لمحاسبة أولئك الذين يتقاعسون عن ذلك.

ولا ينبغي النظر إلى هذه الإجراءات على أنها اقتراح فرنسي بحت كون التدابير المقترحة في التقرير لا يمكن تطبيقها في فرنسا وحدها، بل تتطلب موافقة المفوضية الأوروبية. وبمعنى آخر، أي نقاش حول ما يُسمح للشباب الفرنسي بفعله وما يُمنع عنه يعني فرض قيود على الشباب الأوروبي بأسره.

وفي هذا السياق، يبدو التعاون بين السلطات الأوروبية أمرًا شبه مؤكد. فقد أشارت أورسولا فون دير لاين في خطابها بتاريخ 10 أيلول/ سبتمبر إلى إمكانية حظر الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون سن 16 عاماً، على غرار التجربة الأسترالية. ومن هنا، لا يُعد صدور تقرير لجنة برلمانية في الوقت نفسه مع ابتكار مصطلح "الحظر الرقمي"، الذي قد يمتد لاحقاً ليشمل وضع غرامات على أولياء الأمور بسبب إهمالهم الرقابة الرقمية على أبنائهم، محض صدفة.

وذكرت صحيفة "لوفيغارو" أن "هذا الحظر كان محل رغبة منذ فترة في قصر الإليزيه"، أي على مستوى رئاسة الجمهورية. والجدير بالذكر أن قانون "البلوغ الرقمي"، الذي أُقرّ سنة 2023، يُلزم الأطفال دون سن 15 عاماً بالحصول على إذن من والديهم لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن تطبيقه لم يبدأ بعد، رسمياً "لعدم اليقين بشأن توافقه مع التشريع الأوروبي".

وفي ختام التقرير نوهت الصحيفة إلى أن السلطات الفرنسية اختارت مساراً أكثر وضوحاً؛ حظر "تيك توك" وجميع وسائل التواصل الاجتماعي وفرض "حظر رقمي" ليلي، مع فرض غرامات على الآباء في حال تقاعسهم عن مراقبة أبنائهم. ويهدف هذا الإجراء لضمان أن يبقى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشباب الفرنسي تحت إشراف الحكومة، بعيداً عن أي نفوذ خارجي، مثل الصين.
التعليقات (0)

خبر عاجل