مرّ عامان على أعنف
زلزال ضرب
المغرب، ومعاناة السكان المتضررين لا تزال مستمرة. إذ تكشف مقاطع فيديو وصلت إلى "عربي21" مؤخرا عن استمرار العديد منهم في العيش داخل خيام مهترئة، وسط نقص الإمكانات المادية التي تعيق إعادة بناء منازلهم، وانتظار طويل لتسوية أوضاعهم مع السلطات للحصول على الدعم اللازم.
في الثامن من أيلول/ سبتمبر 2023، ضرب زلزال بلغت قوته 6.8 درجات على مقياس ريختر، مناطق مُتواجدة في جنوب المغرب وجنوب شرقه، وطالت تداعياته مناطق أخرى في البلاد. حيث تضرّر ما يناهز 2.8 مليون شخص جرّاء هذا الزلزال، كما أدّى إلى مقتل ما قُدّر بـ2.940 شخصا مع جرح نحو ستة آلاف، وقُدرت خسائره بنحو سبعة مليارات دولار أميركي.
عامين على الفاجعة.. ماذا تغيرّ؟
"فقدت عددا من أفراد عائلتي، وهُدّم منزلي، ورضيت بقدر الله؛ لكن أن تُهضم حقوقي في الدعم المقدّم لإعادة البناء، هذا شيئ مؤسف، لا أرضى به" بهذه الكلمات انطلق عبد الله، من قرية إيغيل، في حديثه لـ"عربي21" عقب مرور عامين على الزلزال الذي عُرف باسم: "زلزال الحوز".
وأوضح عبد الله: "مع حلول الذكرى السنوية الثانية للفاجعة، تعود كافّة المخاوف التي عشتها لذاكرتي المُرهقة، عشنا رعبا حقيقا"، مردفا: "نعم الكثير قد استفادوا ويعيشون الآن في وضعية أفضل، ومساكن تقيهم البرد والحر والأمطار؛ ولكن أنا والكثير أيضا، لا زلنا نعيش في قلب المأساة، في الخيم، ونتعرّض للفيضانات، ولا بديل لنا".
وكانت
الحكومة المغربية التي يترأّسها عزيز أخنوش، قد أعلنت عقب أيام قليلة من الزلزال (قبل عامين)، عن إطلاق ورش لإعادة إعمار القرى التي دمرها الزلزال، بميزانية قدّرت بـ120 مليار درهم (11.7 مليار دولار) على مدى خمس سنوات، تستهدف 4.2 ملايين نسمة.
كذلك، قرّرت فتح اعتمادات بقيمة 2.5 مليار درهم (نحو 250 مليون دولار) من أجل المباشرة الفورية في مشاريع إعادة الإعمار العاجلة، في كل من: مجالات التعليم والصحة والتجهيز والثقافة والسياحة والزراعة والأوقاف.
أما بخصوص برنامج الطوارئ وتعويض المتضررين البالغ عددهم 2.8 مليون مغربي، كانت السلطات وفقا للبيانات الرسمية قد منحت دعما ماليا مُباشرا بقيمة 30 ألف درهم مغربي (نحو 3 آلاف دولار أميركي) للفئات الأكثر تضرّرا، و140 ألف درهم (13.500 دولار) تعويضاً عن المساكن التي انهارت بالكامل، و80 ألف درهم (7700 دولار) لتغطية أشغال إعادة تأهيل مساكن انهارت جزئيا. غير أنّ شهادات عدد من المتضرّرين، عقب عامين، تؤكّد عدم توصّلها بالاستفادة.
اظهار أخبار متعلقة
احتجاجات مُستمرّة.. هل من مُستمع؟
"التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز" لا تزال تواصل احتجاجاتها وتنديدها، بما تصفه بـ"استمرار معاناة مئات الأسر بداخل خيام بلاستيكية مهترئة، وفي ظروف قاسية تحط من الكرامة الإنسانية، وسط محاولات متكررة لتفكيك هذه الخيام من دون توفير بدائل سكنية لائقة".
وبين وقفات احتجاجية تُنظّم بقلب القرى المُتضرّرة، وبين المسيرات الوطنية التي تُقام أمام البرلمان المغربي، بقلب العاصمة الرباط، التي تبعد آلاف الكيلومترات عن بؤرة الزلزال (وهي أكثر الأماكن ضررا)، يواصل المتضرّرين المطالبة بـ"التعويضات المالية المخصصة لإعادة بناء منازلها" التي يؤكّدون عدم التوصّل بها، رغم توفّرهم على الشروط التي تخوّل لهم ذلك.
وبحسب رئيس الائتلاف الوطني من أجل الجبل (غير حكومي)، محمد الديش، في عدد من التصريحات الإعلامية، في الآونة الأخيرة، فإنّهم يتوصّلون، حتّى اليوم، بتظلمات وتسجيلات فيديو تُبيّن أنّ هناك مواطنين ما زالوا من دون مأوى أو في منازل غير قابلة للسكن، من قبيل الخيام البلاستيكية.
وفي السياق نفسه، انتقد عدد من ساكنة الخيام، ممّن تحدّثوا لـ"عربي21" عبر اتّصالات بهم: "الصمت المؤسف الذي تعتمده الحكومة بخصوص هذا الملف الإنساني المهم"، مشيرين إلى أنّها: "تكتفي بخطابات متكررة تتحدث عن إحصاءات رسمية للمتضررين، دون الحديث عمّن لم يستفيدوا بعد، وممّن يعيشون في ظل كارثة إنسانية لحدود اللحظة".
أيضا، على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، رصدت "عربي21" تسارع الحديث على الواقع المأساوي الذي يعيش في خضمّه عدد من الضحايا؛ فتبرز الخيام المهترئة والمتضرّرة بشكل يوصف بـ"الكارثي" جرّاء الفيضانات التي عاشتها المناطق نفسها، في الأيام القليلة الماضية.
بين الميدان والبيانات الرسمية
فيما كانت رئاسة الحكومة في المغرب قد أعلنت في العاشر من تموز/ يوليو 2025، عبر بيان لها، عن تقلّص عدد الخيام في المناطق التي دمّرها الزلزال إلى 47 خيمة فقط، بينما كان عددها هو 129 ألفا عقب وقوع الكارثة. بدورها، أكدت البيانات الصادرة عن "وكالة الأطلس الكبير" (حكومية) هذه المعطيات. وهو ما نفاه عدد من المتضرّرين لـ"عربي21".
إلى ذلك، تواصلت "عربي21" مع التنسيقية الوطنية للمتضررين من الزلزال، التي أوردت أنّ: "الأرقام التي تعلن عنها الحكومة غير صحيحة، يقولون بقيت 47 خيمة فقط لازالت تأوي المتضررين، لكن الواقع يكذب ذلك"، مردفة: "35 بالمئة من المتضررين لم يستفيدوا بعد، ونتمنى إعادة النظر في ملفاتهم ليستفيدوا أيضا".
من جهته، قال المحلل السياسي، سمير الباز، إنّ: "المعطيات الرسمية تعلن عن نسب إنجاز مرتفعة، لكن الواقع الميداني ما زال يكشف عن بطء في إعادة الإسكان، وتعقيدات في صرف التعويضات، واستمرار معاناة آلاف الأسر".
وأوضح الباز لـ"عربي21" أنّه: "حسب تقرير الحسابات الخصوصية للخزينة، بلغ مجموع التبرعات 16.73 مليار درهم، وبلغ عدد الأسر المتضررة رسميًا 57,805 أسرة. قسمة هذا المبلغ بشكل مباشر كانت ستعني ما يقارب 29 مليون سنتيم (57 ألف درهم) لكل أسرة، وهو ما يبرز أن الموارد كانت كافية لتقديم دعم سريع وكريم".
"لولا أن التعقيدات البيروقراطية وطول المساطر عطّلت ذلك" تابع الباز، مردفا بالقول: "الدولة خصّصت أيضا، برنامجا وطنيا بقيمة 120 مليار درهم، ما زال يتبقى منه أكثر من 103 مليار درهم، وهو ما يفتح نقاشًا جادًا حول أولويات التدبير وفعالية السياسات العمومية".
اظهار أخبار متعلقة
وأبرز: "شكّل الخروج الإعلامي الأخير لرئيس الحكومة محطة مثيرة للجدل، حيث تم تقديم أرقام وبيانات "مطمئنة" لا تعكس الواقع على الأرض. مثل هذا الخطاب، المبني على تجميل الحصيلة أكثر من الاعتراف بالإكراهات، يُنتج فجوة بين ما يُقال في الإعلام وبين ما يعيشه المواطن في قريته أو دواره".
تجدر الإشارة إلى أنّ "عربي21" كانت قد عاودت الزيارة لقلب المناطق المتضرّرة، في الذكرى السنوية الأولى. وروى سكان قرية أمندار، المتواجدة في قلب الجبال، بإقليم الحوز (على مقربة من بؤرة الزلزال)، ما جرى قبل عام بالضّبط، حيث هزّ الزلزال العنيف أمانهم، وتركهم في خوف ومُعاناة لا تنتهي.
وأمضت "عربي21" ليلة 8 أيلول/ سبتمبر، بين أناس سيمتهم البساطة الممزوجة بالعُنفوان والكرم؛ في زيارة ثانية، عقب زيارة أولى، كُنّا فيها أوّل الواصلين، عقب ساعات قليلة من الفاجعة، التي غيّرت ملامح الحياة هنا، وجعلت الأوضاع تُصبح أسوأ، وفقا لأهل القرية أنفسهم.