يواصل مسؤولون وصحفيون في دولة
الاحتلال في الآونة الأخيرة التحريض على
مصر، بزعم أنه منذ توقيع معاهدة
السلام معها، فإنها سعت جاهدةً لتقويض الملحق العسكري تدريجيًا من خلال فرض وقائع
على الأرض تُغيّر الواقع، لاسيما ما تشهده
سيناء من تعزيز لقدراتها العسكرية فيها.
ديفيد
غوفرين، سفير الاحتلال السابق لدى مصر والمغرب، زعم أنه "وفقا للملحق
العسكري لمعاهدة
كامب ديفيد، فقد اتفق الجانبان على وجود منطقة عازلة منزوعة السلاح في
سيناء، وكانت القيود المفروضة على مصر في المناطق (أ و ب و ج) واسعة وشديدة، بينما
تلك المفروضة على إسرائيل في المنطقة (د) محدودة، نظرًا لصغر مساحتها نسبيًا، وقد
اتُخذت إجراءات نزع السلاح في نهاية مفاوضات طويلة ومضنية، بهدف الحدّ من خطر
تكرار الصراع العسكري بينهما".
ونقل
في
مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" عن "المستشار القانوني لوزارة الخارجية في كامب ديفيد، مائير روزين، أن
النقاشات الحادة التي دارت تركزت حول تسريح القوات العسكرية المصرية من سيناء في
ظل تخلي إسرائيل عن عمقها الاستراتيجي فيها"، زاعما أن "هذا يُعدّ أحد أهم إنجازات
المعاهدة، فيما اعتبرت مصر قيود الملحق الأمني انتهاكًا لسيادتها وكرامتها الوطنية،
لكنها دأبت على الطلب من إسرائيل مرارًا، بعد فوات الأوان، الموافقة على نشر عدد
أكبر من جنودها في سيناء لمكافحة المسلحين".
وأشار إلى أن "رغبة مصر بتقويض الملحق العسكري عليها الكثير من الشواهد، بينها زيارة
السيسي لقاعدة رافيديم في 2018، ففي فيديو نشره الجيش المصري، تظهر طائرات إف-16
متوقفة على مسارات الطيران في القاعدة، مع أنه يُحظر عليها التحليق في جميع أنحاء
سيناء، كما هدفت هذه الزيارة الرمزية، التي نُفذت في سياق حرب الجيش المصري على المسلحين
في سيناء، لتقويض القيود المفروضة عليه في سيناء".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح الكاتب أن "المتحدثين الرسميين المصريين دأبوا على القول مرارًا وتكرارًا على مر
السنين إن المعاهدة أهانت مصر، ومسَّت بسيادتها في سيناء، مستخدمين تعبير السيادة المنقوطة في وسائل الإعلام، وينبع هذا الشعور بالإهانة من أن إسرائيل،
في رأيهم، هي التي أملت في المفاوضات عدد الجنود والمعدات وأنواع الأسلحة المسموح
باستخدامها، وحاول المصريون الذين تحدثت معهم خلال خدمتي في مصر إقناعي، دون جدوى،
بأنه لم يعد هناك أي مبرر لمواصلة نزع السلاح في سيناء".
وأكد
أن "مصر تشعر بقلق بالغ إزاء الهجرة الجماعية للفلسطينيين لأراضيها في أعقاب
عملية مركبات غدعون ب التي شنها الجيش في غزة، وأوضحت مرارًا وتكرارًا أنها
ستعتبر ذلك انتهاكًا لأمنها القومي، وتعارض بشدة حل القضية الفلسطينية على أراضيها،
وعلى حسابها، وهذه خلفية رفضها القاطع قبول عرض الرئيس ترامب منذ بداية العام
باستضافة الفلسطينيين على أراضيها مقابل منحة مالية سخية بمليارات الدولارات".
وأوضح الكاتب، أن "إسرائيل مطالبة بأن توضح رسميًا وعلنًا وبحزم أنها لا تنوي التسبب
في تهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة، ومثل هذا التصريح من شخصية سياسية رفيعة
المستوى ومعتمدة من شأنه أن يخفف من حدة الخطاب الدائر في القنوات الإعلامية بين
الطرفين، كما تتذكرون، فقد وصف الرئيس السيسي إسرائيل بأنها "عدو"
في خطابه خلال مؤتمر الدوحة، وهي المرة الأولى منذ توقيع اتفاقية السلام التي
يصفها رئيس مصري بهذه الكلمة".
وأردف أن "هذا التصريح لم يأتِ على خلفية العدوان في غزة، بل جاء أيضًا على خلفية
المخاوف المصرية من اغتيال قادة حماس على أراضيها، مما سيثير غضب الرأي العام،
وتجميد الموافقة على صفقة الغاز الجديدة بقيمة 35 مليار دولار، وقد دفع تكثيف
العدوان في غزة، ومخاوف مصر من خرق الفلسطينيين للسياج الحدودي، لزيادة وجودها
العسكري في رفح، لردع أي محاولة تسلل من القطاع، والرد عليها في حال تحقق
السيناريو المرعب من وجهة نظرها، وليس من المستبعد أن تستغل الظروف الراهنة لزيادة
وجودها العسكري".
يمكن
الخروج من هذه القراءة باستنتاج مفاده أنه في حال استمرار العدوان على غزة، واحتمالية
التصعيد الذي ينطوي عليه، فلن تتعجل مصر بسحب قواتها، وقد تشترط انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا، الذي تعتبره انتهاكًا لاتفاق السلام، وفي هذه الحالة، سيواجه
صعوبة في مطالبة القوة متعددة الجنسيات، المكلفة برصد انتهاكات الجانبين، أو حتى
من الولايات المتحدة، بالعمل على إعادة الوضع لطبيعته، وبالتالي قد يشهدان بداية
صراع جديد بينهما.