قضايا وآراء

ترامب.. ووعود القادة العرب بنزع سيف ودرع المقاومة الفلسطينية: من المستفيد؟

سعد الغيطاني
"يتحول الموقف العربي من دعم القضية الفلسطينية إلى شريك في مشروع تجريدها من سلاحها"- الخارجية السعودية
"يتحول الموقف العربي من دعم القضية الفلسطينية إلى شريك في مشروع تجريدها من سلاحها"- الخارجية السعودية
مقدمة

في مشهد يشبه إعادة إنتاج لوعد بلفور بلسان أمريكي معاصر، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى جانبه بنيامين نتنياهو، عن خطة من 20 بندا لإنهاء الحرب في غزة. وبينما ركّز الإعلام على "وقف إطلاق النار" و"تحرير الأسرى"، كان البند الأخطر يُمرّر بهدوء: غزة منزوعة السلاح، أي تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها وقدرتها على الردع.

الأمر لم يتوقف عند الطرح الأمريكي/ الإسرائيلي، بل امتد إلى تصريح ترامب بأن القادة العرب قدموا استجابة جيدة جدا، بل و"التزموا" عمليا بالمضي نحو نزع سلاح المقاومة. هذا الكشف الصادم يضع العرب في موقع الشريك المباشر في مشروع يهدف لتفكيك قدرة الشعب الفلسطيني على الدفاع عن نفسه.

الأمر لم يتوقف عند الطرح الأمريكي/ الإسرائيلي، بل امتد إلى تصريح ترامب بأن القادة العرب قدموا استجابة جيدة جدا، بل و"التزموا" عمليا بالمضي نحو نزع سلاح المقاومة

العرب في الطرح الأمريكي.. من الترحيب إلى التعهّد

خلال عرضه للخطة، أشار ترامب إلى ردود إيجابية من السعودية ومصر والإمارات، واصفا إياها بأنها "مفتاح نجاح المرحلة المقبلة". هذه الدول، التي لعبت أدوار وساطة سابقا، تُصوَّر اليوم كضامنة لتجريد الفلسطيني من سلاحه، سواء عبر الدعم المالي أو المراقبة الأمنية، وربط إعادة الإعمار بشرط تفكيك المقاومة.

بهذا الشكل، يتحول الموقف العربي من دعم القضية الفلسطينية إلى شريك في مشروع تجريدها من سلاحها، ما يضع شعوب المنطقة أمام معضلة أخلاقية وسياسية واضحة: هل هذه أنظمة تمثلها، أم أدوات لمصالح أجنبية؟

من أوسلو إلى ترامب.. حلم الاحتلال يتحقق

منذ توقيع اتفاق أوسلو، ظلّ الكيان الإسرائيلي المحتل يُصرّ على شرط "الأمن" الذي يعني سحب سلاح الفلسطينيين. لم يجرؤ أي طرف دولي على فرضه بهذا الوضوح، واليوم، ترامب لم يكتفِ بتبنّي المطلب الإسرائيلي، بل قدّمه كمبادرة سلام دولية، وزيّنه بمباركة عربية، ما يمنحه شرعية سياسية وإقليمية غير مسبوقة.

بهذا، يتحول حلم الكيان الإسرائيلي المحتل التاريخي إلى مشروع أمريكي- عربي مشترك، تحت عنوان مضلّل: "السلام مقابل التنمية".

دوافع العرب وراء نزع سلاح المقاومة

قبول بعض الأنظمة العربية بهذا الطرح لا يمكن فصله عن سياقات أوسع:

1. الخوف من نموذج المقاومة: نجاح حماس أو الجهاد في مواجهة الكيان المحتل قد يُحرّك الشارع العربي ضد أنظمة الحكم.

2. الضغط الأمريكي المباشر: ترامب يستخدم العقوبات والصفقات الاقتصادية لضمان الانصياع.

3. تحالفات استراتيجية جديدة: دول مثل الإمارات والسعودية تحاول تثبيت شراكات أمنية مع الكيان الإسرائيلي المحتل عبر بوابة "محاربة الإرهاب"، وهو الوصف الذي يُلصق بالمقاومة الفلسطينية.

مأزق فلسطيني.. بين القبول والرفض

المقاومة الفلسطينية أمام معادلة شديدة القسوة:

القبول بالخطة: نهاية فعليّة لأي قدرة عسكرية، وتحويل السلاح إلى ذكرى.

الرفض: مواجهة حصار أشد وهجمات متجددة، مع تحميلها مسؤولية إفشال "السلام" الذي يزعم العرب أنهم ضامنون له.

إضفاء شرعية عربية على مطلب الكيان الإسرائيلي المحتل القديم: نزع سلاح الفلسطينيين. إذا تحقق ذلك، فلن نتحدث فقط عن نهاية المقاومة في غزة، بل عن إغلاق آخر أبواب التحرر الوطني الفلسطيني

لكن التجربة التاريخية تؤكد أن الشعوب تحت الاحتلال لم تتحرر بالتعهدات الدولية أو بمباركة الأنظمة، بل بصمودها ومقاومتها.

الخيانة أم المناورة؟

تصريحات ترامب عن "التزام" العرب بنزع السلاح تكفي لإظهار صورة قاتمة: أنظمة عربية تُوظَّف كأداة أمريكية إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. السؤال يبقى: هل نحن أمام خيانة علنية للقدس وغزة، أم مجرد مناورة سياسية لشراء الوقت وحماية الأنظمة من الضغط الدولي؟

الخاتمة

الخطر الحقيقي يكمن في إضفاء شرعية عربية على مطلب الكيان الإسرائيلي المحتل القديم: نزع سلاح الفلسطينيين. إذا تحقق ذلك، فلن نتحدث فقط عن نهاية المقاومة في غزة، بل عن إغلاق آخر أبواب التحرر الوطني الفلسطيني.

الرهان الحقيقي يبقى على وعي الشعوب العربية، التي لم تُساوم يوما على حق فلسطين، مهما حاولت الأنظمة بيع القضية في مزادات السياسة الدولية.

سؤال للقراء

هل تعتقدون أن وعود القادة العرب بنزع سلاح المقاومة هي خيانة واضحة لفلسطين، أم أنها مناورة سياسية يمكن مقاومتها عبر صمود الشعب الفلسطيني؟
التعليقات (0)

خبر عاجل