سياسة عربية

السيسي "يبرئ نفسه" من أزمات المصريين ويضع معايير عسكرية لـ"منع الثورات"

قال إنه أصدر قرارا بإلزام كل من يعمل بالدولة بالمرور بالأكاديمية العسكرية- الأناضول
قال إنه أصدر قرارا بإلزام كل من يعمل بالدولة بالمرور بالأكاديمية العسكرية- الأناضول
أثار حديث رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، الأربعاء، خلال حفل تخرج ضباط الشرطة، الجدل خاصة مع إعلانه مجموعة "معايير إصلاح"، و"خطط بناء" لمؤسسات الدولة، وإعداد برامج بمشاركة القوات المسلحة لـ"تصويب العوار في الأشخاص"، وتعلم "الانضباط والوطنية"، لإنقاذ البلاد من "الثورات".

السيسي، وعقب حفل التخرج، تحدث لمجموعة من ضباط الجيش والشرطة، نافيا أن يكون "الرئيس أو الحكومة سبب الأزمات"، مؤكدا أن "الأشخاص سبب العوار"، مبينا أنه "لذلك قرر ألا يلتحق أحد بإدارة الدولة والوظائف الحكومية إلا بالمرور من الأكاديمية العسكرية"، وتعلم معنى الانضباط والوطنية"، مشددا على أن ذلك "ما يمنع حدوث ثورات تؤخر البلاد لعقود".

وقال السيسي، إنه "يسعى لتأسيس بناء مختلف بمؤسسات الدولة ووضع معايير إصلاح وتطوير"، موضحا أن رؤيته قائمة على "عدم ضخ دماء جديدة بمؤسسات الدولة إلا بعد الانتقاء والفرز والاختيار الدقيق، ثم التأهيل والإعداد"، ملمحا إلى دور الأكاديمية العسكرية في تأهيل الموظفين الحكوميين الجدد.

وقطع السيسي، بأنه "لن يسمح بدخول أحد للعمل بمؤسسات الدولة دون المرور بتلك المرحلة"، مبينا أنه يتحدث عن "الذين تضخ دماؤهم في شرايين الدولة، بالشرطة والجيش والقضاء والتعليم"، مشيرا إلى أن "إصلاح مؤسسات الدولة يحتاج قبول المجتمع بهذا التغيير بمعايير الاختيار".

وكشف أن رؤيته قائمة على برنامج من 3 معايير، قال إن "أولها مناخ الحرية الحقيقي دون الإضرار أو إحداث فوضى تؤثر على أمن واستقرار البلاد"، لافتا إلى أن المعيار الثاني: "استمرار عملية التطوير لأجيال متعاقبة، وعدم انتهائها بمرور جيل أو عصر أو قيادة أو حكومة".

وأكد أن "المعيار الثالث: تحول الشعب لكتلة واحدة، لا تسمح لأحد أن يأخذه ثانية لهدم الدولة"، مخاطبا المصريين بقوله: "ربنا نجانا في 2011 وفي 2013"، في إشارة لثورة 25 يناير 2011، والانقلاب الذي قاده منتصف 2013، ضد أول تجربة مدنية ديمقراطية وأطاح بالرئيس الراحل محمد مرسي.


وأضاف: "أحاول أن أرمم التداعيات التي حدثت، وبناء أرضية للانطلاق إلى مشروع كبير لإعادة صياغة مؤسسات الدولة بشكل هادئ ومنضبط، يكون فيه الانتقاء بمعايير محددة"، مبينا أنه "بعد 10 دفعات من الخريجين وفق تلك المعايير، سنجد مؤسسات الدولة تغيرت"، مؤكدا أن "هذا الفرق بين الثورة والإصلاح".


فساد الضباط.. وتسريبات مخلة

مراقبون، انتقدوا حديث السيسي، مؤكدين أن فيه عدم ثقة في المدنيين، وتعظيم لشأن العسكريين، مشيرين إلى أنه خلال سنوات حكمه، كشفت تسريبات عن عمليات فساد مالي وأخلاقي طالت بعض كبار ضباط الجيش والشرطة، وسط ما أثير عن رشا مالية واسعة في عمليات إرساء المناقصات والأعمال.

ويتزامن حديث السيسي، عن ضرورة انضباط المدنيين العاملين في مؤسسات الدولة وفقا للمعايير العسكرية للانضباط والمفاهيم العسكرية للوطنية، مع تسجيل مسرب لضابط عسكري كبير في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أقر تخصيص أراضي لمشروع محطات وقود تشيل أوت مقابل رشوة جنسية ومالية.

اظهار أخبار متعلقة



وهو ما سبقه تسريبات جنسية في آب/ أغسطس الماضي، لمساعد وزير الداخلية اللواء خالد عرفة، وتسريب ثالث لمكالمات مخلة بين لواء الشرطة عمرو الليثي، والعقيد محمد غراب.

وخلصت ورقة بحثية منشورة تشرين الأول/ أكتوبر 2020، إلى أن "هذا النظام العسكري تعتريه عيوب كانعدام الكفاءة والفساد وغياب خطة لتحقيق العدالة الاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى إفقار قطاعات ضخمة من المجتمع".

وطوال عهد السيسي، تضع مؤسسة الشفافية الدولية، مصر بين الدول الأكثر فسادا حول العالم، مع تراجعها بمؤشر مدركات الفساد من المرتبة 88 عام 2015، إلى 130 في 2024، مع استشراء الفساد.

معدلات خطيرة

وفي قراءته لطرح السيسي، قال السياسي المصري، والخبير العسكري، وضابط الجيش المصري السابق، الدكتور عمرو عادل: "أولا: الدولة المصرية منذ 1952 تحاول عسكرة مؤسساتها، وما نرصده إحصائيا خلال 70 عاما مضت يؤكد أن معدل الخلل والفساد يتناسب طرديا مع زيادة نسبة العسكرة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، برر رؤيته تلك بأن "العقل العسكري لا يقبل إلا الأوامر من أعلى، وهذا جيد جدا داخل المؤسسة العسكرية ولكنه مدمر بالمجتمعات الواسعة المعقدة المتنوعة بالمجال العام؛ كما أن العقل العسكري غير مؤهل لقبول النقد أو الاتهام بالفشل، وهذا تناقض واسع أيضا مع المجتمع المعقد بالمجال العام".

وثانيا، لفت رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، إلى أننا "لم نر تجربة واحدة على مر التاريخ القديم والحديث قامت بعسكرة الدولة إلا وانهارت الدولة والوطن، والأمثلة لا يمكن حصرها لتواترها وارتباطها الشرطي"، متسائلا: "فما الجديد الذي سيقوم به النظام ليكسر تلك القاعدة الصلبة؟.

وأشار، ثالثا، إلى أنه "على مدى السنوات الـ10 الماضية ظهرت فضائح متعددة في الكثير من القيادات العليا العسكرية والشرطية، وهي كما يرى رأس النظام قمة الانضباط والالتزام والوطنية وتدل كلها على عكس ذلك تماما".

وتساءل مجددا: "فعلام يبني إذا تصوراته الخاصة وسط هذا الكم الهائل من الكوارث على المستوى الأخلاقي المرتبط بمصير الدولة _لا نهتم ولا نحاسب أحد على حياته الخاصة ما لم تتقاطع مع مصالح الدولة- أو على مستوى جودة المنتج؛ فنحن نرى طرقا يعاد إنشائها من الصفر لسوء الجودة والفساد المستشري".

رابع النقاط وفقا لعادل، أننا كمصريين "لم نر بيع الأرض إلا من العسكريين، ولم نر سد النهضة يُبنى إلا بموافقة العسكريين، لم نر احتلالا للمجال العام إلا من العسكريين، ولم نر انهيارا في كفاءة المجتمع إلا بعصر العسكريين".

وذهب للقول: "إذا نحن أمام حقائق شديدة الوضوح؛ إلا أن غرور القوة والسلطة والسلاح يجعل أصحاب القوة في السلطة لا يرون كل ذلك ويزيفون الحقائق ثم يصدقونها ثم يجبرون الجميع علي تصديقها بقوة السلطة".

وختم مؤكدا أن "ما يفعله النظام الحالي أنه يسرع من الانهيار التام والنهائي؛ فللتاريخ أحكام ولا أحد استطاع الفكاك منها مهما بلغت قوته وإحكام سيطرته، وهذا ما يسير إليه النظام ولا يدخر وسعا في توفير كافة المقدمات اللازمة لذلك".

رؤية وطنية لا مقاربة أحادية

وفي تعليقه، ثمن الخبير في الإدارة الإستراتيجية وإدارة الأزمات الدكتور مراد علي، "كل جهد يُبذل لإصلاح مؤسسات الدولة"، مضيفا لـ"عربي21": "إلا أن جوهر الإصلاح الحقيقي لا يتحقق عبر مقاربة أحادية أو مغلقة، بل عبر رؤية وطنية تشاركية تضم مختلف فئات المجتمع ومؤسساته المدنية والأكاديمية والمهنية".

وقال إن "المؤسسة العسكرية لها مكانتها المحترمة ودورها بحماية الوطن، لكن تشكيل الوعي الوطني وصياغة الثقافة العامة يحتاج إلى انفتاح أوسع يشارك فيه المثقفون والعلماء ورجال التربية والاقتصاد والاجتماع، حتى لا يُختزل مفهوم الوطنية في الإطار العسكري وحده".

ويرى أن "ما طرحه الرئيس يستحق الوقوف عنده بجدية، فهو يعكس إدراكا لحجم التحديات التي تواجه الدولة، غير أن ربط إصلاح الجهاز الإداري والأكاديمي بمسار عسكري بحت يثير قلقا مشروعا حول مستقبل التنوع الفكري والمدني بالمجتمع".

وأوضح أن "المؤسسات العسكرية بطبيعتها تقوم على الضبط والانصياع، بينما تتطلب إدارة المجتمع المدني مرونة ومشاركة وتعبيرا عن الرأي؛ لذلك، من الأهمية بمكان أن يكون للمجتمع المدني دور أصيل في بلورة هذه الرؤية، حفاظا على التوازن بين النظام والحرية، وبين الانضباط والإبداع".

اختزال مرفوض

ويعتقد أنه "من الخطورة أن يُختزل إصلاح العقول ببرامج ذات طابع عسكري، لأن القيم المجتمعية تُبنى بالتنوع والتفاعل الحر بين مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة، كما لا ينبغي أن يكون الإصلاح مشروعا لفئة واحدة، بل مسؤولية جماعية تتكامل فيها مؤسسات الدولة مع المجتمع المدني والجامعات والقطاع الخاص".

ومضى يؤكد أنه "لا أحد يختلف على أهمية تأهيل الكوادر وضبط معايير الكفاءة في التوظيف العام، لكن المطلوب وضوح المعايير وشفافية الإجراءات، حتى لا تتحول فكرة المرور عبر الأكاديمية العسكرية إلى باب للتمييز أو الإقصاء".

وخلص للقول: "نحتاج منظومة مدنية وطنية شاملة تضمن العدالة وتكافؤ الفرص، وتخضع للرقابة والمساءلة، وتفتح أبوابها للقطاع المدني والجامعات والنقابات لتكون شريكا بالمسار".

من دولة إلى ثكنة

وفي تحليلة لحديث السيسي، حول "تصويب العوار في الأشخاص"، و"المرور عبر الأكاديمية العسكرية"، قال السياسي المصري محمد عماد صابر: "هذا ليس إصلاحا بل إعلان رسمي بتحويل الدولة ثكنة عسكرية، وتحويل المواطن إلى جندي في جيش يُقاتل فيه وهما اسمه (الخطر الداخلي)".

صابر، أضاف لـ"عربي21": "الحقيقة الموثقة أن الأزمات الاقتصادية، وتآكل الجنيه، وتراجع الخدمات، وتضخم الديون الخارجية، نتائج مباشرة لقرارات مركزية صدرت من قصر الرئاسة لا من الموظفين"، متسائلا: "فهل (العوار) في المواطن الذي يدفع الضرائب، أم في الإدارة التي استنزفت موارد الدولة بلا رؤية ولا محاسبة؟".

اظهار أخبار متعلقة



وتابع: "ثم إن عسكرة الإدارة ليست إصلاحا بل خوفا من المجتمع؛ واشتراط مرور كل موظف جديد عبر الأكاديمية العسكرية يعني أن النظام لا يثق في مدني واحد إلا بعد (إعادة تأهيله) على طاعة القيادة".

وأكد أن "هذا جوهر الدولة الأمنية التي ترى المواطن مشروع خطر، لا شريك البناء؛ وهو هروب إلى الأمام بعد فشل المشروع الاقتصادي والسياسي، ومحاولة لإعادة إنتاج تجربة يوليو 1952 في نسخة أمنية محدثة، لكن بزمن لم يعد يقبل فيه الشعب بالوصاية".

ويرى البرلماني المصري السابق أن "الانضباط العسكري فضيلة حين تكون له غاية وطنية، لكنه يتحوّل إلى أداة قهر حين يُفرض على مجتمع مدني متعدد، والإدارة المدنية تقوم على القانون والمساءلة والشفافية، لا على الأوامر العسكرية"، نافيا أن تكون الثورات أخرت الوطن، مؤكدا أنها "أنقذته من الجمود، وفتحت أبواب الحرية".

حق يراد به باطل

وفي تقييمه للمعايير الثلاثة التي طرحها السيسي، قال: "حينما يتحدث عن (مناخ حرية حقيقي)، و(تطوير متواصل)، و(كتلة واحدة)، جيد؛ لكن أي حرية تُقام مع إغلاق المجال العام وحبس المعارضين؟، وأي تطوير يُبنى على إقصاء الكفاءات المدنية واستبدالها بالمحسوبية العسكرية؟، وأي وحدة وطنية تتحقق حين تُفرض على الناس بالقوة وتُلغى فيها التعددية؟".

وأكد أنه "هنا يكون الهدف الحقيقي، دولة الولاء لا دولة الكفاءة، والمشهد الحقيقي أنه يريد بناء الدولة على قاعدة الولاء الشخصي، لا الكفاءة أو القانون،" مبينا أن "من يمرّ عبر (الأكاديمية العسكرية) لن يتعلّم كيف يطوّر التعليم أو الاقتصاد، بل يتعلم كيف ينفّذ التعليمات ويصمت عن الأخطاء؛ فهكذا تُقتل روح المبادرة والإبداع في كل مؤسسات الدولة".

تدمير الهوية المدنية

ويرى السياسي المصري أن "أخطر ما في الخطاب، تحويل الجيش إلى بوابة التوظيف يعني إلغاء مفهوم الدولة المدنية التي ناضل المصريون لأجلها منذ ثورة 1919، وتحوّل السلطة إلى مركز واحد يحتكر القرار والثروة والسلاح؛ وهذا لا يبني دولة حديثة بل جمهورية خوف تسقط بانهيار الثقة بين الشعب ومؤسساته".

ويعتقد أن "الطريق الصحيح لتصويب العوار، إذا أراده السيسي فعلا يكون بإصلاح دستوري وسياسي يعيد تداول السلطة وحرية الصحافة والرقابة البرلمانية، وتحرير الاقتصاد من قبضة الجيش وفتح المجال للقطاع المدني والكفاءات، وإصلاح التعليم بإعادة العقل النقدي والبحث العلمي، لا بتدريبات الانضباط العسكري، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع عبر المصالحة الوطنية ووقف القمع السياسي".
التعليقات (0)

خبر عاجل