كيف تحولت مشاركة سوريا بالتحالف ضد "داعش" من "الرّدة" إلى الإباحة؟
عربي21- مؤيد باجس13-Nov-2508:08 AM
0
شارك
عطون والويس من أبرز الشخصيات التي رافقت الشرع في مسيرته الجهادية- سانا
أصبحت سوريا رسميا، العضو التسعين في الدول التي تشكل التحالف ضد تنظيم الدولة "داعش" بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن، ولقائه نظيره دونالد ترامب.
وثار جدل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي عقب خروج فتاوى تبيح المشاركة في التحالف بمبررات أهمها أن التحالف ليس عسكريا بالمعنى الواضح، وأن السيادة على الأرض هي للحكومة السورية، بخلاف ما كان عليه الوضع سابقا.
وكانت أبرز تلك الفتاوى صادرة عن وزير العدل الحالي مظهر الويس، أحد رفاق الرئيس أحمد الشرع منذ السنوات الأولى لتأسيس "جبهة النصرة"، في حين رفضت شخصيات بارزة تقديم رأيها، مثل عبد الرزاق المهدي الذي قال إنه لا يفتي بـ"المسائل السلطانية، وهناك مجلس إفتاء رسمي يختص بها، وهم أدرى كونهم على علاقة بالقيادة ومعرفة بأمور السياسة".
واللافت أن الويس نفسه كان قد أفتى بحرمة المشاركة في التحالف الدولي، حتى بعد سنوات من الإعلان الأمريكي عنه في العام 2014.
وخلال السنوات الماضية كانت غارات التحالف الدولي تستهدف ليس فقط أعضاء "داعش"، بل طالت قيادات جهادية في الشمال السوري، تتبع لجماعات تتبنى نهج "القاعدة". وقبل ذلك كانت غارات التحالف تطال "جبهة النصرة" و"جبهة فتح الشام"، حيث قتلت "قائد جيش الفتح" أبو عمر سراقب (2016)، والذي كان يُنظر إليه على أنه الشخصية العسكرية الأبرز المقربة من الرئيس الشرع.
من التحريم إلى الإباحة تأتي أهمية شخصية الويس في رمزيته كأحد القيادات التاريخية لجبهة النصرة التي تحولت لاحقا إلى جبهة فتح الشام، ثم "هيئة تحرير الشام"، حيث شغل مناصب شرعية منها رئيس المجلس الأعلى للقضاء في حكومة الإنقاذ بالشمال السوري. وبعد سقوط نظام الأسد، عيّن الشرع، مظهر الويس وزيرا للعدل.
في العام 2023، أصدر الويس كتيّبا حمل مجموعة من الفتاوى تحت عنوان "الأجوبة الشامية في التصدي لنازلة الحملة الصليبية"، قال في إحداها إن "من يدخل هذا الحلف لتنفيذ الأجندة الأمريكية حاملا مشروعا علمانيا ديمقراطيا، ففعله ردّة وتول مكفر، لأن فيه متابعة للكفار على كفرهم، وإعطاءهم مقاليد الطاعة". ونوّه الويس أنه "لا التفات للحجج الواهية هنا من دفع الظلم والبغي لأن هذا لا يبرر فعل الكفر والرضا بدين الكفار والتزام ذلك عمليا".
ونوّه الويس أن "هذا التحالف يقوده الكفار وهم من يقرر ويطلبون من الناس اتباعهم وطاعتهم، ولا شك أن هذا يدخل في ولاء الطاعة والتبعية".
واللافت أن الويس أورد في كتابه مثالا لإجازة الحنفية لمثل هذا التحالف بشروط، وللضرورة فقط، إلا أنه رد عليها بشكل واضح، قائلا "إن تأويل من يستعين هنا بعيد ولا ينطبق على واقعنا اليوم، حيث الظهور للكفار وإن لم تكن قوة على الأرض، فهناك قوة جوية، وقوة برية يتم إعدادها تكون تابعة للحلف الصليبي ولا يمكن التحكم بآثار وتبعات هذه الاستعانة، حيث لا يمكن ردع الكفار، بل الواضح أنهم هم من يقرر ولا عبرة لمن هو على الأرض".
ماذا تغيّر؟ في فتواه الجديدة التي أصدرها عقب إعلان انضمام سوريا إلى التحالف الدولي، قال الويس إن "ليس كل تعامل هو ولاء، ولا كل اتفاق أو تنسيق يعدّ موالاة، فالعبرة في الشريعة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني". وأردف أن "شكل التنسيق والتعاون الأمني المعلوماتي (مع التحالف) ليس تحالفا عسكريا مفتوحا بالمفهوم الشرعي أو السياسي التقليدي، فضلا عن كونه تبعية أو رضى أو إعطاء لمقاليد الطاعة والانقياد، أو إقرارا لمخالفة شرعية، بل هو إقرار بسيادة الدولة السورية واعتراف بها ونوع من التنسيق تستفيد منه بلا شك الدولة السورية في حربها التي تقوم بها أساسا على عدو صائل يشكل خطرا داهما، وفي دفعه مصالح مشتركة لا يمانع الشرع من تواردها واتفاقها".
وشدد الويس أن "المجاهدين في الشام كانوا الأسبق في قتال الدواعش والتبرؤ منها، وذلك قبل نشوء التحالف بزمن طويل، وقد خاضوا ضدهم معارك شرسة، بذلوا فيها كل التضحيات دفاعا عن دينهم وأعراضهم وأموالهم".
وأشار إلى أن "الواقع اليوم يقول إنّ السيادة هي للدولة السورية الجديدة على الأراضي التي تقع تحت سلطتها،
وهي صاحبة السلطة، والمسؤولة شرعًا وعرفاً وقانونًا عن حفظ الأمن وحماية المواطنين بمختلف مكوّناتهم.
ومن واجبها أيضًا حمايتهم من خطر وشر خوارج داعش المستحلّين للدماء والأموال الصائلين بالمفخخات والأحزمة والعبوات الناسفة والخادمين لأعداء الأمة".
وتابع أنه "لا يخفى أنّ التحالف موجود ويقوم بعمليات أمنية متفرقة، ولذلك لا بد من تنظيم الحالة وضبط الأمور بما يضمن وحدة القرار والسيادة، حتى تستقر أوضاع الدولة الناشئة، ولا يُتخذ خطر داعش ذريعةً لتدخلاتٍ أكبر أو انتقاصٍ من السيادة أكثر.
والعاقل من يختار خير الخيرين ويدفع شرّ الشرين ويعتبر بالحال والمآل ويبني على التجارب ويقيس على الأشباه والنظائر".
وخلص الويس إلى أنه "طالما أنّ ميزان المصالح والمفاسد يشير إلى ترجيح كفة المصالح العامة ودرء المفاسد والشرور،
وأنّ العمل يأخذ شكل التنسيق والتعاون المعلوماتي والتدريبي الذي يعزز سيطرة الدولة واحترام سيادتها،
ولا يتضمن أي تنازلٍ عن حقٍّ شرعي أو إقرار بمخالفة شرعية أو تبعية وتول ومظاهرة أو مناصرة ، بل هو استفادة في أمور لها سياقها الموجود أصلاً بسبب الدواعش أنفسهم وما سببوه من تدخلات، ولذلك
فإنّ هذا الأمر يكون مشروعًا بهذه الضوابط مع ضرورة اليقظة والحذر ويندرج كل ذلك ضمن قواعد السياسة الشرعية وفقه الواقع".
اظهار أخبار متعلقة
المحيسني.. و20 عالما من أبرز الشخصيات التي أفتت بجواز المشاركة في التحالف، الشيخ السعودي عبد الله المحيسني، والذي كان قد حرّم المشاركة في التحالف سابقا أيضا.
المحيسني الذي عمل لسنوات كقاض شرعي مستقل في الشمال السوري، وحظي بعلاقات جيدة مع مختلف الفصائل، قال بعد الإعلان عن التحالف في العام 2014، إن "حكم المشاركة في الحملة الصليبية نص صريح واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)".
وفي العام 2019، أعاد المحيسني تكرار فتواه، قائلا إنه "لا تعارض بين البراءة من الخوارج لإفسادهم في الأرض وقتلهم المسلمين، والبراءة من التحالف ألف مرة لكفرهم وحربهم لله ولرسوله وقتلهم الأطفال والنساء بغير حق".
وبدّل المحيسني من فتواه عقب إعلان سوريا الانضمام إلى التحالف، قائلا في خلاصة فتوى جديدة إن "التصوّر الصحيح للمسألة أنها ليست في باب الإعانة والاستعانة ولا في باب الموالاة والتولي، فليست الصورة أن الدولة في بحبوحة من أمرها وفي تمام قوتها واستقرارها ثم قدّمت طلبًا رسميًا من التحالف أن يدخل إلى سوريا!! ثم طلبت الانضمام له؟".
وأضاف أن "واقع الأمر أن هذا التحالف قائم فعليًا منذ عام 2014، وقد مارس عمليات إنزال واعتقال وقتل داخل الأراضي السورية، فعدم الدخول لا يعني توقف عملياته أو انكفاؤه، وإنما الدخول فيه يخفف من آثاره وأخطائه، ويقلّل من ضرره، ويسهم في الحد من تغوّله، بل ويُمهّد مستقبلاً لانسحابٍ أمريكي أوسع من المنطقة، ويزيد من بسط سلطان الدولة وسيادتها على كامل التراب السوري".
واللافت أن المحيسني تحدّث عن فتوى بإباحة الدخول في التحالف من قبل 20 عالم دين، قال إن القرار جاء بعد الأخذ بهذه الفتوى.
ولم يصدر عن مجلس الإفتاء السوري الذي عيّنه الشرع عقب توليه رئاسة الجمهورية أي فتوى بهذا الخصوص.
خلاصة القول :
من أراد أن يبحث حول قضية الدخول في التحالف الدولي ، فالتصوّر الصحيح للمسألة أنها ليست في باب الإعانة والاستعانة ولا في باب الموالاة والتولي، فليست الصورة أن الدولة في بحبوحة من أمرها وفي تمام قوتها واستقرارها ثم قدّمت طلبًا رسميًا من التحالف أن يدخل إلى سوريا !! ثم…
ليست مفاجأة في السياق الأوسع للصورة، لا يعد تغيّر الفتوى من قبل مظهر الويس وآخرين مفاجأة، حيث أن السنوات العشر الماضية شهدت تحولات مفصلية من الكيان الجهادي الأبرز في سوريا (جبهة النصرة).
فمن العمل المشترك مع تنظيم الدولة - قبل الخلاف معه - إلى فك الارتباط بتنظيم القاعدة، ولاحقا، تشكيل هيئة تحرير الشام التي نقلت الحالة الجهادية من الفصائلية إلى المؤسساتية، ما أفضى إلى تشكيل حكومة في إدلب.
ومن أبرز التحولات التي شهدتها الحالة الجهادية السورية، إفتاء جبهة "فتح الشام" بحرمة المشاركة في عملية "درع الفرات" التي شنتها تركيا وفصائل سورية في العام 2016 ضد تنظيم الدولة، و"قسد"، قبل أن تعبّر لاحقا "هيئة تحرير الشام" عن انفتاحها على أنقرة.
وجاءت تحولات هيئة تحرير الشام بشكل تدريجي انسيابي في الغالب، وليس عبر "أسلوب الصدمة"، وهو ما لم يستدعي إعلان قيادتها السياسية والشرعية عن مراجعات علنية، بخلاف ما قامت به تنظيمات أخرى عبر التاريخ.
دور عطون يعد عبد الرحيم عطون "أبو عبد الله الشامي"، من أبرز الشرعيين الذين رافقوا أحمد الشرع منذ بداياته، ويُنظر إليه إلى أنه عرّاب هذه التحولات التي أفضت بعد 13 سنة، إلى قدرة هيئة تحرير الشام على الإطاحة بنظام بشار الأسد.
ورغم سيره في السياق العام للشرعيين الجهاديين في السنوات الأولى للثورة، حيث هاجمت "جبهة النصرة" أبرز الفصائل الإسلامية في تلك الفترة بسبب "ميثاق الشرف الثوري" الشهير. إلا أن عطون ظهر في مرحلة مبكرة كساعي لضبط حالة الفتاوى، والجرأة في الحزم ضد أفكار تنظيم الدولة وليس الفصائل الإسلامية الأخرى.
فبينما كان عطون يتصدى للحملة الشرسة التي شنها تنظيم الدولة ضد "جبهة النصرة" بسبب مسألة التمدد من العراق إلى سوريا وضرورة حلّ "النصرة"، كان في الوقت ذاته يرفض محاولات شرعيين في تنظيمه بتكفير فصائل إسلامية وفي مقدمتها "أحرار الشام".
عطون الذي خاض جلسات ماراثونية امتدت لأيام طويلة مع "أبو بكر البغدادي"، ثم دخل في سجال إعلامي علني مع الناطق باسم تنظيم الدولة "أبو محمد العدناني" فيما يعرف بـ"المباهلة"، قاد التحوّل الأبرز في اتخاذ قرار فك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة (ظهر إلى يسار الشرع في الإعلان)، والذي سبقه تثبيت قناعة بأن التنظيم سوري يهدف إلى إسقاط النظام، وليس جزءا من تنظيم جهادي عالمي.
ساهمت هذه الخطوة في تحرر قيادة التنظيم وفي مقدمتهم أحمد الشرع - أبو محمد الجولاني - سابقا من عبء خطاب "القاعدة" وأبجدياته، بل ساهمت أيضا في تخلص التنظيم من شخصيات بارزة قدمت من أفغانستان ودول أخرى للالتحاق بـ"النصرة" (شكلوا تنظيم حرّاس الدين) وجماعات صغيرة، وأخرى كان التنظيم يشركهم عن بعد في قرارات مفصلية مستفيدا من "علمهم الشرعي" وباعهم الطويل في التيار الجهادي.
"التقاط الرسالة" مبكرا بدأ الرئيس أحمد الشرع منذ العام 2018، انفتاحا كاملا على المجتمع المحلي في الشمال السوري، وهو ما اعتبرته مراكز بحثية أمريكية "رسالة يجب التقاطها مبكرا".
ففي تحليل سابق لـ"معهد واشنطن" للدراسات، اعتبرت تلك الخطوة وما تبعها من مقابلات إعلامية أجراها الشرع "إعلان تحول من منظمة جهادية بحتة إلى هيكل حكم أولي يسيطر بنشاط على الأراضي ويحافظ عليها من أجل الاحتفاظ بالسلطة السياسية".
ومنذ العام 2021، ردد مسؤولون أمريكيون سابقون، وحسابات جهادية، مزاعم بأن هناك تواصل وتنسيق بين "هيئة تحرير الشام" والولايات المتحدة، ومن أبرز مرددي تلك المزاعهم المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، السفير جيمس جيفري. إلا أن هيئة تحرير الشام كانت تنفي بشكل قاطع هذه الروايات. بل قامت بحملة اعتقالات داخلية طالت شخصيات أبرزها "أبو مارية القحطاني" الذي أشيع حينها أنهم اتُهم بالتواصل مع التحالف، إلا أنه أفرج عنه لاحقا لعدم ثبوت ذلك، قبل أن يتم اغتياله.
كما أظهرت حكومة الإنقاذ انفتاحا كبيرا على الإعلام الغربي، وقدمت دعوات عديدة لزيارة الشمال السوري، والوقوف بشكل مباشر على الخدمات، والخطاب السياسي البعيد عن الصورة النمطية المأخوذة عبر السنوات الفائتة، وهو ما استدعى التأكيد على أن "هيئة تحرير الشام" لن تشكل خطرا على الغرب في حال حكمت سوريا.
وتُرجم هذا الانفتاح بالمقابلة الأبرز حينها، التي أجراها الصحفي الأمريكي مارتن سميث مع أحمد الشرع في نيسان/ أبريل من العام 2021، والتي تحدث فيها "أبو محمد الجولاني سابقا" عن ضرورة قبول المجتمع الدولي بالواقع الذي فرضته هيئة تحرير الشام، كما أكد استحالة شن هجمات ضد الدول الغربية، قائلا إن نقد السياسات لا يعني توجيه ضربات ضد هذه الدول.