نشرت صحيفة "
نيو
هيومانيتاريان" تقريرا يكشف أن الحكومة
المصرية تشن حملة ممنهجة لترحيل
اللاجئين
السودانيين بشكل غير قانوني، مع تضييق متعمد على حقوقهم القانونية، في حين تبدي
وكالة
الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رد فعل ضعيفًا للغاية، حفاظًا على مصالحها
وعلاقاتها مع الحكومة على حساب الدفاع عن اللاجئين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها
الذي ترجمته "
عربي21"، إن "وتيرة
ترحيل اللاجئين السودانيين
الفارين من أكبر أزمة إنسانية في العالم بحثا عن الأمان في مصر المجاورة قد تصاعدت
خلال الأشهر الـ12 الماضية، في إطار حملة قمع متصاعدة".
وتابعت: "يرى النقاد أن
مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، المنظمة الدولية الرئيسية المكلفة بحماية
اللاجئين والدفاع عنهم في مصر، قد فشلت في تقديم اعتراض مستمر على هذا التصعيد،
مشيرين إلى أنها تمنح الأولوية للحفاظ على علاقاتها مع الحكومة على حساب الدفاع عن
حقوق اللاجئين".
وذكرت الصحيفة أن نحو 1.5
مليون سوداني وصلوا إلى مصر منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عامين ونصف بين الجيش وقوات
الدعم السريع شبه العسكرية، غير أن اللاجئين، ضمن 11.5 مليون نازح بسبب الصراع
المستمر، واجهوا تحميلهم تبعات الأزمات من قبل السياسيين وسط تفاقم الأزمة الاقتصادية.
وأضافت أن تحقيقا سابقا كشف
عن عمليات ترحيل سرية واسعة النطاق للسودانيين، مخالفة للاتفاقيات الدولية، مع
تحديد مواقع مراكز الاحتجاز المزرية، بينما يظهر تقرير متابعة حديث – استنادًا إلى
وثائق وشهادات جديدة – تصعيدًا أكبر للحملة، مع توسع الاعتقالات والترحيلات داخل
المدن الكبرى واستهداف المدارس السودانية.
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت الصحيفة إلى أن
السودانيين ولاجئين آخرين في مصر كانوا يواجهون عمليات ترحيل وانتهاكات أمنية حتى
قبل الحرب الحالية، لكن الترحيل تصاعد بشكل حاد أواخر 2023 قبل اتفاقية الاتحاد
الأوروبي، ومع تزايد أعداد اللاجئين، ثم تسارع أكثر بعد إقرار أول قانون لجوء مصري
العام الماضي، الذي، رغم عدم تفعيله الكامل، منح السلطات صلاحيات واسعة لإلغاء
حماية اللاجئين تحت ذرائع غامضة مثل "احترام القيم المصرية".
ووفق الصحيفة، فإن تحديد
أعداد الترحيل بدقة يظل صعبا بسبب منع الحكومة وصول الأمم المتحدة والمنظمات
الإنسانية إلى مراكز الاحتجاز وامتناعها عن مشاركة بياناتها، إلا أن تقارير منظمات
محلية تكشف عن حجم القمع، حيث سجلت إحدى هذه المنظمات "رقما قياسيا"
للترحيلات في الربع الأول من هذا العام، مع طلب مديرها عدم الكشف عن هويته خوفا من
انتقام الحكومة.
وثّقت المنظمة أكثر من 850
عملية ترحيل معظمها للاجئين سودانيين، أي أكثر من نصف العدد الإجمالي لعام 2024،
وهو جزء صغير من أكثر من 20,000 لاجئ سوداني يُحتمل ترحيلهم العام الماضي. وأظهر أرشيف "منصة اللاجئين في مصر"
احتجاز 687 طالب لجوء بين نيسان/ أبريل وآب/ أغسطس في القاهرة الكبرى والإسكندرية
ومطروح، بالإضافة إلى 1,560 آخرين منذ آب/ أغسطس.
وأشارت الصحيفة إلى أن معظم
اللاجئين أكدوا أن سبب احتجازهم وترحيلهم كان عدم امتلاكهم تصاريح إقامة سارية،
وهو أمر صعب التحقيق بسبب تراكم مواعيد التسجيل حتى عام 2029. ورغم امتلاك بعضهم
وثائق المفوضية التي تحميهم من الإعادة القسرية، صادرت السلطات بطاقاتهم أثناء
الاعتقال وأجبرتهم على توقيع إقرارات بالمغادرة "الطوعية".
وكشف تحقيق العام الماضي أن
القمع على اللاجئين السودانيين لم يقتصر على المناطق الحدودية، بل امتد إلى المدن
الكبرى، مع اعتقالات عند نقاط التفتيش ومحطات المترو والمناطق السكنية. وأفاد قادة
مجتمعات اللاجئين بأنهم يتعرضون لضغوط للإبلاغ عن زملائهم تحت تهديد الاعتقال أو
الترحيل، مضطرين للاختيار بين خيانة مجتمعاتهم أو مواجهة الانتهاكات.
اتهامات بالرشوة
واجهت المفوضية السامية
لشؤون اللاجئين انتقادات من لاجئين ومحامين ومجموعات من المجتمع المدني بشأن
استجابتها لعمليات الترحيل، رغم إقرار الكثيرين أنها تعمل ضمن قيود كبيرة.
فالسلطات المصرية تمنعها من الوصول إلى مراكز الاحتجاز والمناطق الحدودية، ما
يجعلها "عمياء فعليًا"، بحسب موظف سابق في مكتب المفوضية بمصر.
ووصف مدير منظمة معنية
بالدفاع عن اللاجئين بيانات المفوضية حول الإعادات القسرية بأنها "ضعيفة
جدًا"، وقال في مطلع هذه السنة إن المعلومات التي جمعتها المفوضية أشارت إلى
أن الترحيلات في انخفاض، وهو عكس ما وثّقه كثيرون آخرون.
وأكد الصحيفة أن الوجود
المحدود للمفوضية على الحدود المصرية مع السودان يترك الكثيرين عرضة للاحتجاز
أثناء سفرهم إلى مكتب التسجيل الوحيد التابع لها في القاهرة، وقد وُثّقت العديد من
حالات اعتقال لاجئين في الطريق. وقد عانى مركز التسجيل في القاهرة من صعوبة مواكبة
احتياجات الوافدين الجدد بسبب الضغط الكبير، خاصة بعد إغلاق مركزين آخرين مؤخرًا
بسبب نقص التمويل.
ووفق ما نقلته الصحيفة عن
عدة مصادر فإن التأخيرات في التسجيل غذّت سوقًا سوداء؛ حيث يضطر اللاجئون لدفع
المال لشبكة من الوسطاء يُزعم أن لهم صلات بموظفين يعملون لدى المفوضية السامية
لشؤون اللاجئين للحصول على مواعيد مبكرة يتم شراؤها من طالبي لجوء آخرين.
وقال آخرون إن الرشوة خارج
مكتب المفوضية تحدث يوميًا وعلى مرأى من الشرطة، متهمين المفوضية بالتقاعس
والاكتفاء بإصدار "بيانات تحذيرية عامة" تنصح اللاجئين بعدم دفع المال
مقابل المواعيد.
ونقلا عن مصادر عديدة، فإن
أداء المفوضية في تنفيذ واجباتها الأساسية في الحماية لم يكن كافيًا، حتى مع أخذ
القيود التي تواجهها في الاعتبار. وقال أحد محامي اللاجئين إن النظام يبقى غامضًا
وآليات الحماية بلا أنياب حتى عندما يُحتجز اللاجئون أو يُرحّلون، وأكد زعيم مجتمع
إريتري إنهم لا يتلقون عادةً أي رد عندما
ينقلون تقارير عن الاعتقالات والترحيل من أفراد المجتمع.
اظهار أخبار متعلقة
وذكرت الصحيفة حادثة حسن
عبد الله، وهو لاجئ سوداني أرسل بريدًا إلكترونيًا إلى المفوضية بعد تلقيه تهديدات
بالقتل من رجل مصري إثر نزاع مالي، وبعد أربعين يومًا قُتل ابنه البالغ من العمر
12 عامًا في تصعيد مباشر للنزاع نفسه، لكن المساعدة القانونية التي تلقاها من
المفوضية كانت غير فعّالة، ولم تُقدَّم أي إجراءات حماية مثل دعم إعادة التوطين
إلا بعد فترة طويلة من الحادثة.
وقال منصور، الذي كان يدير
مدرسة المجتمع السوداني، إن الوكالة ردّت على رسالة أهله بشأن اعتقاله بعد 8 أيام
مؤكدة استلام الرسالة وأن فريقها على علم بالقضية. لكن الرد الأكثر تفصيلًا جاء
بعد 28 يومًا حين تم بالفعل إنهاء إجراءات ترحيله دون أن يرى محاميًا. وقد تضمّنت
وثيقة ترحيله تعليمات للسلطات السودانية بتسهيل إصدار وثائق سفر طارئة لترحيله.
وأضافت الصحيفة أن أحد
موظفي المفوضية الحاليين في مصر زعم أن الأجهزة الأمنية اخترقت الوكالة، وأن هذا
النفوذ يؤدي إلى ترك القضايا دون معالجة. وأوضح أن بعض الزملاء، تحت الضغط، حثوا
آخرين على إسقاط تقارير الاعتقالات أو منع شكاوى حساسة من التصعيد داخليًا. وقال
إن هؤلاء الموظفين راقبوا أيضًا قادة مجتمعات اللاجئين، وحددوا من يرفعون شكاوى أو
ينظمون حول قضايا اللاجئين، وأن بعضهم اعتُقل لاحقًا بتهم تتعلق بالتأشيرات أو
بأسباب أمنية.
كما أعرب لاجئون ومحامون
ونشطاء حقوقيون عن مخاوف من أن عمليات المفوضية في مصر مخترقة من الأجهزة الأمنية،
وهي مشكلة قالوا إنها تطال منظمات دولية أخرى، مشيرين إلى حالات اعتُقل فيها
لاجئون بعد زيارتهم لمكاتب المفوضية مباشرة.
وذكر ناشط لاجئ إنه حضر
اجتماعًا نظمته المفوضية في القاهرة عام 2021، وفي اليوم التالي تلقى اتصالًا من
ضابط مخابرات يطلب لقاءً في مقر أمني، وعبر الناشط عن صدمته حين اكتشفت أنه يعرف
كل ما تم نقاشه، مما عرضه لتهديدات من الضابط لأن تدخله في الاجتماع كان حادًا ضد
الحكومة المصرية.
وقد سأل الصحفيون المفوضية
عن اتهامات بتأثر مكتبها في مصر بالأجهزة الأمنية، وعن مزاعم دفن تقارير
الاعتقالات، لكن المتحدث لم يرد مباشرة على هذه النقاط.
صمت يصل حد التواطؤ
اتهمت العديد من المصادر
المفوضية في مصر بعدم انتقاد الترحيلات علنًا أو مواجهة الحكومة المصرية، معتبرين
أن صمتها يصل حد التواطؤ. وأظهر تحليل لاتصالات المفوضية العامة في مصر خلال
العامين الماضيين عدم وجود أي إشارات إلى الترحيلات في عشرات التحديثات المتعلقة باللاجئين
السودانيين أو في تقاريرها السنوية.
وفي مقابلة مع صحيفة المصري
اليوم الشهر الماضي، قالت المسؤولة الرفيعة في المفوضية، روفنديني مينكديويلا، إن
مصر كانت "متميزة في تعاملها" مع اللاجئين وفي السماح لهم بالعيش في
مدنها وبلداتها، دون أن تذكر الترحيلات الجماعية. ووصفت مينكديويلا قانون اللجوء
الجديد في مصر بأنه "بالغ الأهمية" و"مبادرة ممتازة"، رغم أن
تعليقات المفوضية الرسمية على التشريع أشارت إلى أنه لا يتضمن صراحة مبدأ عدم
الإعادة القسرية بما يتماشى مع التزاماتها بموجب اتفاقيات اللاجئين.
سيجعل القانون الحكومة
مسؤولة عن تسجيل طالبي اللجوء وتحديد وضعهم بدلًا من المفوضية، لكن المنتقدين
يقولون إنه يفتح الباب أمام الإعادة القسرية بمنح السلطات صلاحيات واسعة لإلغاء
الوضع وترحيل الأشخاص لأسباب غامضة. وقد دعم مكتب المفوضية في مصر تطوير القانون
لعدة سنوات ويعمل حاليًا على خطة انتقالية مدتها خمس سنوات.
وقد تساءل أشرف ميلاد، وهو
محامٍ بارز في قضايا اللجوء بمصر، عمّا إذا كان ينبغي للوكالة أن تدعم العملية وهي
تعلم تمامًا حجم الانتهاكات التي ترتكبها السلطات المصرية. وقال جيف كريسب، الخبير
في قضايا اللاجئين والمسؤول السابق رفيع في المفوضية، إن مكتب مصر يتجنب انتقاد
الترحيلات وقانون اللجوء لأن ذلك قد يهدد علاقته بالسلطات وبالتالي يهدد وصوله
وعملياته. وأضاف أن اعتماد المنظمة على تمويل الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية
يمنعها أيضًا من الإدلاء ببيانات أكثر صراحة، نظرًا لأن هذه الدول تقدم المليارات
للقاهرة مقابل الحد من الهجرة إلى أوروبا.
وتابعت الصحيفة أن انتقادات
الاتحاد الأوروبي كانت أيضا محدودة للسياسات المصرية، رغم أنه اعترف سرًا بأن
قانون اللجوء لا يفي بالمعايير الدولية، لكن مسؤولًا أوروبيًا أوضح أن القانون
الجديد لن يوقف التعاون مع القاهرة، مؤكدًا ضرورة تقبل واقع طبيعة الحكومة
المصرية. لكن تقبّل هذا الواقع سيكون أصعب بالنسبة للاجئين الذين يواجهون تبعاته.