في بيان صادر مساء
الخميس (11 كانون الأول/ ديسمبر 2025)؛ أعربت نقابة المهن التمثيلية عن شكرها للتوجيهات
الرئاسية الداعمة لكبار
الفنانين أصحاب التاريخ الفني الطويل في
العلاج على نفقة الدولة
بالمجان، مؤكدة أن هذه الخطوة تعكس حرص الدولة على توفير العلاج والدعم الكامل لهم
عرفانا بما قدموه على مدار عقود من إسهامات أثْرت الوجدان
المصري والعربي. وأشارت النقابة
إلى أن "هذه اللفتة الإنسانية تؤكد تقدير الرئيس لقيمة الفن ودور المبدعين في
تشكيل الوعي الوطني والحفاظ على الهوية الثقافية المصرية، كما تعكس التزام الدولة بالوفاء
لمن أسهموا في بناء الوجدان الجمعي وإمتاع الجمهور".
وفي سياق مرتبط، فقد
صدرت توجيهات رئاسية الشهر الماضي بتقديم الدعم الطبي الكامل لأحد كبار الممثلين بعد
تعرضه لوعكة صحية، وتم تكليف الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير
الصحة والسكان، بمتابعة حالته الصحية للفنان بشكل دوري، وتوفير كل أشكال الرعاية اللازمة،
إلى جانب إعداد تقرير مفصل عن تطورات وضعه الصحي.
حصول المريض على قرار العلاج على نفقة الدولة
مهم جدا لعدد كبير من المواطنين، ولكن له إجراءات إدارية وفحوص إكلينيكية وشروط خاصة
للرقمنة والتحول الرقمي تشمل أرقاما كودية بمسميات لأمراض محددة؛ وهذا يزيد من معاناة المرضى:
حسب التصريحات
الرسمية فإن نظام التأمين الصحي الحالي منذ عام 1975، أو نظام التأمين الصحي الشامل
الجديد بالقانون رقم 2 لسنة 2018؛ فإنه يتم تغطية شرائح محددة من المصريين، ويترك 45
مليون مواطن بدون تغطية تأمينية صحية من أي نوع، إضافة إلى صعوبات تلقى الخدمة الصحية
المجانية بالمؤسسات الصحية الحكومية.
لذا، فإن
منظومة العلاج على نفقة الدولة تعتبر أحد أهم أدوات الحماية الاجتماعية في مصر، إلا أن التطبيق العملي لها يكشف عن معاناة ممتدة
يعيشها ملايين المرضى، خصوصا من الفئات الأكثر
فقرا واحتياجا:
أولا:
معاناة المريض: تحددت الفئات غير المستحقة للعلاج على نفقة الدولة، كالتالي: المؤمّن عليهم صحيا، وغير المصريين، والأمراض غير المدرجة بأكواد نفقة الدولة
وفقا لموقع وزارة الصحة، والفئات التي لديها مصادر دخل كافي لتغطية تكاليف العلاج؛
فلا يستحقون الدعم.
وتعاني
الغالبية العظمى من المرضى من تعقيد الإجراءات والبيروقراطية المفرطة، حيث يضطر المريض للتنقل بين أكثر من جهة للحصول
على قرار العلاج، مع تكرار الفحوصات والتقارير
الطبية بسبب انتهاء صلاحية القرار أو اختلاف الصيغ المطلوبة، وغالبا ما يمتد الانتظار لأسابيع أو شهور، حتى في الحالات
الطارئة مثل الأورام وأمراض القلب والفشل الكلوي.
كما يواجه
المرضى تأخرا في صدور القرارات أو رفضها دون مبررات طبية واضحة، مع اختلاف المعايير بين المحافظات، ما يضطرهم
لإعادة التقديم أكثر من مرة، وهو ما يؤدي في
كثير من الأحيان إلى تفاقم الحالة الصحية وفقدان فرص الشفاء.
وحتى بعد
صدور القرار، لا يضمن المريض تلقي الخدمة، بسبب نقص الأدوية، أو عدم توافر الأسرة، أو تعطل الأجهزة، أو إحالته
إلى مستشفيات بعيدة جغرافيا، مما يحول القرار
إلى مجرد وثيقة بلا أثر علاجي حقيقي.
ثانيا:
معاناة داخل المستشفيات: توجد شكاوى كثيرة من مرضى العلاج على نفقة
الدولة من تمييز سلبي في التعامل داخل المستشفيات، مقارنة
بالمرضى القادرين أو أصحاب العلاج الخاص، مع ضعف التواصل الإنساني وغياب الشرح الطبي الكافي. كما يتحمل المرضى
أعباء مالية غير معلنة، تشمل تحاليل وأدوية غير مدرجة بالقرار،
إلى جانب تكاليف الانتقال والإقامة، ما يناقض مبدأ العلاج المجاني.
ثالثا:
مشكلات هيكلية في المنظومة: تعاني
المنظومة من محدودية التمويل وعدم استدامته، مما يؤدي إلى تراكم مديونيات على الحكومة نحو المستشفيات، وإحجام بعض الجهات
عن استقبال مرضى نفقة الدولة، كما يغيب
قدر كافٍ من الشفافية والرقابة، حيث لا تُنشر بيانات دورية حول أعداد المستفيدين، ونسب القبول والرفض، ومتوسط
زمن الانتظار، فضلا عن ضعف آليات المتابعة ومواجهة الشكاوى وحلها، في حين يتم التركيز على اجماليات التكلفة المالية.
تمويل
العلاج على نفقة الدولة أصبح من خلال صندوق مواجهة الطوارئ الطبية وله موارد متنوعة
أغلبها من خارج موازنة وزارة الصحة؛ وتزيد من الأعباء المالية على المواطنين:
تم إنشاء صندوق مواجهة
الطوارئ الطبية بالقانون رقم 139 لسنة 2021، وموارد الصندوق فيها نسبة بسيطة تمثل
المساهمة الحكومية بمخصصات نفقة الدولة ودعم الدواء ومواجهة قوائم الانتظار؛ في حين
أن مصادر التمويل الأساسية تشمل: موارد صناديق صحة الأسرة بوحدات الصحة على مستوى الجمهورية،
وتشمل رصيد تحصيل رسوم الكشف من المرضى، وبعض صناديق الوزارة، ونسبة من عائد بيع أراضي
المجتمعات العمرانية الجديدة، ونسبة مئوية من سعر بيع مستحضرات التجميل المستوردة،
ومحلية الصنع، ونسبة من سعر بيع المبيدات الحشرية، والهبات
والتبرعات من البنك المركزي المصري والبنوك واتحاد البنوك للصندوق، ومن الأفراد أو
الهيئات ويقبلها مجلس الإدارة، مع فرض رسوم جديدة على المواطنين من رصيد تراخيص السيارات،
وعلى مصروفات المدارس والجامعات الخاصة والدولية، ورسوم على مكالمات الهاتف المحمول وغيرها مما يرهق المواطنين.
ويهدف
صندوق مواجهة الطوارئ الطبية إلى إيجاد آلية حكومية ومجتمعية وأهلية لتمويل الخدمات
المقدمة من وزارة الصحة للمواطنين في مجال الوقاية والعلاج والتأهيل، لا سيما العلاج
على نفقة الدولة، وغيرها من الخدمات الصحية والتي لا تكفي الاعتمادات المالية المتاحة
من موازنة الدولة لتغطيتها.
ويُظهر البيان المالي
لمشروع موازنة العام المالي الحالي (2025/2026)، الآليات الحكومية حتى تتوافق موازنة
الصحة للإيفاء بالنسب الدستورية، عبر إضافة بند سداد ما يخص قطاع الصحة من خدمات الدين
العام للدولة، إضافة إلى أن مسمى قطاعات الصحة يشمل وزارة الصحة ومستشفيات الجيش والشرطة
والأزهر والهيئات العامة ومخصصات هيئة المياه والصرف الصحي؛ ولكن في باب التقسيم لمصروفات
الموازنة، يظهر الرقم الحقيقي المخصص لوزارة الصحة فعليا بقيمة 246 مليار جنيه، وهو
ما يثمل 1.2 في المئة فقط من إجمالي الناتج المحلي، وهو الرقم الذي لا يتوافق مع الاستحقاق
الدستوري حسب المادة رقم 18 من دستور عام 2014، كما أنه مخالف لتوصيات منظمة الصحة
العالمية.
قرار
تخصيص كبار الفنانين بالاستفادة من العلاج على نفقة الدولة يحمل قدرا كبيرا من التمييز،
ويبرهن على أن النظام يتعامل بانتقائية وعنصرية مع غياب العدالة والمساواة في حقوق
المواطنين في الرعاية الصحية المجانية:
بداية فإن فئات الشعب
المنتمين للجهات السيادية مثل الجيش والشرطة والقضاء لهم مسارات علاجية متميزة خاصة
بهم، ويحظون برعاية صحية خاصة ومجانية، كما ينحاز النظام إلى طبقة المشهورين والأثرياء،
ويمنحهم الكثير من العطايا والامتيازات، في الوقت الذي يحرم فيه الفقراء من حقوقهم،
وقد يموت بعضهم لعدم قدرتهم على تحمل نفقات العلاج؛ رغم أن المادة 9 من الدستور
2014 تنص على أن "تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز".
كما أن تبرير القرار
بأن فئة الفنانين تثرى الهوية الثقافية المصرية؛ يهمل قيمة وأهمية جميع المهن بصورة
عامة، وعلى سبيل المثال مهنة عمال النظافة في الشوارع ودورها في ترسيخ قيم الجمال والرقى
للهوية المصرية الحضارية على أرض الواقع المشاهد، وبالتالي أحقيتهم وأحقية غيرهم في
الحصول على نفس الامتيازات في إطار العدالة والمساواة.
ومن الغريب أن الإعلان
عن أسماء كبار الفنانين المرضى فيه تشهير بهم وانتهاك للخصوصية باعتبارهم من الفقراء،
مما أدى إلى خروج بعضهم على الفضائيات ليعلن رفضه للقرار الجمهوري ويؤكد على أنه قادر
على الإنفاق الذاتي لعلاج حالته الصحية، وذلك يعني وجود حالة من العشوائية وعدم الدقة
في اختيار من في حاجة حقيقية للعلاج المجاني على نفقة الدولة.
من ناحية أخرى، فإن
القرار له دلالة سلبية تعني التأكيد على معرفة النظام بأنه توجد صعوبات ومعاناة للمرضى
للحصول على قرار علاج على نفقة الدولة؛ وهذا هو سبب التوجيهات الرئاسية لتخفيف عبء
المعاناة عن كاهل كبار الفنانين، وذلك بالقفز غير الممنهج فوق نقاط الضعف الموجودة؛
وكان المفروض أن تتم إزالة العقبات الإدارية والإجراءات الطبية أمام جميع المواطنين
بدون استثناء، وأن يتم توفير مخصصات مالية حكومية من الخزانة العامة للدولة؛ بدلا من
صندوق جل تمويله من المواطنين، للصرف على علاج فئات مستثناة من بينهم وإغفال حق عموم
المصريين.