سياسة عربية

دبلوماسي فلسطيني لـ"عربي21": الاعتراف الدولي بفلسطين يتجاوز 80% من دول العالم

تسارع نحو الاعتراف بدولة فلسطينية وسط حرب إبادة تنفذها إسرائيل ضد الفلسطينيين - عربي21
أكد مساعد وزير الخارجية الفلسطيني السابق، السفير ممدوح جبر، أن "الاعتراف الدولي المرتقب بالدولة الفلسطينية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يُمثل لحظة تاريخية فاصلة في تاريخنا الفلسطيني والعربي والإسلامي".

ولفت، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إلى أن "هذه اللحظة توازي في رمزيتها القرارات المفصلية السابقة، مثل وعد بلفور وقرار الأمم المتحدة رقم 181، القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، نظرا لما يحمله هذا القرار المرتقب من دلالات سياسية وقانونية وإنسانية كبرى وعميقة".



وقال السفير جبر إن "هذا الاعتراف يعكس اتجاها دوليا واضحا نحو دعم صريح لإنشاء دولة فلسطينية على أرض فلسطين، وهذا التوجه يعكس وعيا دوليا متزايدا بحقوق الشعب الفلسطيني"، موضحا أن "الدولة المنشودة لا تسعى فقط لنيل الاستقلال السياسي، بل تهدف أيضا إلى تحقيق التنمية والازدهار وبناء مؤسسات قادرة".

وأشار إلى أن "الدلالات المترتبة على الاعتراف ليست مجرد مواقف سياسية عابرة، بل تُمثل أبعادا إنسانية وقانونية وأخلاقية ودبلوماسية متشابكة"، مشدّدا على أن "هذه اللحظة تعكس توافقا دوليا نادرا، وهو ما يدل على أن المجتمع الدولي بات أكثر استعدادا لترجمة شعاراته التضامنية إلى خطوات عملية يمكن قياسها على أرض الواقع".

نقلة نوعية كبرى

وأوضح مساعد وزير الخارجية الفلسطيني السابق، أن "ما صدر حتى الآن من مواقف، وما يُنتظر صدوره خلال الساعات المقبلة، يُمثل نقلة نوعية كبرى باتجاه الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، منوها إلى أن "هناك ما بين 13 إلى 28 دولة بصدد إعلان اعترافها في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال مؤتمر حل الدولتين الذي ينعقد إلى جانب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة".

وأضاف جبر أن "المرحلة الجديدة، التي تبدأ اعتبارا من 22 أيلول/ سبتمبر الجاري، ستفتح الباب أمام ملفات وأوراق سياسية وقانونية تحتاج إلى صياغة دقيقة، وبكل تأكيد سيكون لها ما بعدها"، مؤكدا أن "الحديث لم يعد يتعلق بمجرد فكرة رمزية أو مشروع نظري، بل بات يدور حول كيان سياسي يتجه بقوة لأن يصبح عضوا فاعلا في الأمم المتحدة".

ودعا الفلسطينيين إلى "استثمار هذه اللحظة التاريخية لصياغة فرضيات متقدمة لمستقبل دولتهم المستقلة"، مؤكدا أن الفرصة الحالية تُمثل منعطفا غير مسبوق في مسار القضية الفلسطينية برمتها على الصعيدين السياسي والدبلوماسي".

وأكد جبر أن "الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية لا يعد منّة أو هبة من المجتمع الدولي، بل هو حق أصيل ومتأخر، استنادا إلى مبادئ القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها"، لافتا إلى أن "الدول المعترفة بدولتنا مُلزمة أخلاقيا وسياسيا بتجسيد هذا الاعتراف عمليا على الأرض، من خلال دعم قيام دولة فلسطينية كاملة العضوية".

وذكر جبر، والذي يعمل حاليا كأستاذ للعلوم الإنسانية والسياسية، أن "هناك تحولا حقيقيا في الموقف الأوروبي، حيث أن الاعتراف يترتب عليه التزامات سياسية وقانونية واقتصادية"، مشيرا إلى أن "جميع الدول التي أعلنت اعترافها التزمت أيضا ببيان نيويورك، الذي حدّد بشكل واضح ما هو مطلوب من خطوات عملية، سواء لدعم السلطة الفلسطينية أو لترسيخ أركان الدولة المستقلة".

ونوّه إلى أن "المطلوب حاليا يتمثل في متابعة كيفية ترجمة هذه الالتزامات عمليا على الأرض؛ إذ أن الشعارات لا تكفي ما لم تتحول إلى إجراءات ملموسة، وبالتالي على هذه الدول تحمل مسؤوليتها التاريخية عبر توفير الدعم المالي والسياسي والقانوني لفلسطين، حتى يتحقق مشروع الدولة المستقلة بشكل متكامل".

80% من دول العالم تعترف بدولة فلسطين

وفيما يتعلق بعدد الدول المتوقع أن تعلن اعترافها بدولة فلسطين، قال جبر إن من المبكر تحديد رقم نهائي الآن بدقة، لأن الاعترافات تتوالى بشكل مستمر، لكنه أشار إلى أن دولة فلسطين باتت تحظى باعتراف 159 دولة حتى الآن، أي ما يزيد على 80% من دول العالم، واصفا ذلك بالإنجاز النوعي الذي يعزز الموقف الفلسطيني بجدارة أمام المجتمع الدولي.

وأضاف جبر أن "هناك دولا أخرى تستعد للانضمام قريبا"، معربا عن توقعه بأن يصل عدد الدول التي ستعلن اعترافها إلى 72 دولة جديدة على الأقل، وهذه الموجة الجديدة من الاعترافات تعكس توجها عالميا متصاعدا، سيشكل ضغطا دبلوماسيا كبيرا على القوى الرافضة لقيام الدولة الفلسطينية".

وأشار جبر إلى أن "اعتراف دول محورية مثل كندا وأستراليا وفرنسا، إضافة إلى إحدى عشرة دولة تابعة للتاج البريطاني، سيكون له أثر بالغ في مسار التصويت داخل الأمم المتحدة، وهذه الاعترافات قد تقلب موازين التصويت، وتجعل الموقف الدولي أكثر ميلا لصالح فلسطين".

أما بخصوص رد فعل إسرائيل، فقد ذكر مساعد وزير الخارجية الفلسطيني السابق، أن "الواقعية تقتضي الاعتراف بحقيقة أن فلسطين مُحتلة منذ عام 1948، وتجدد الاحتلال في عام 1967. حتى غزة التي انسحب منها الاحتلال عام 2005 لم تتحرر فعليا، بل بقيت تحت حصار خانق يطوقها من جميع الجهات، مانعا عنها أي فرصة للنمو".



وأضاف جبر أن "الضفة الغربية اليوم مُحاصرة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، فيما تتوسع المستوطنات بشكل متسارع وخانق"، منوها إلى أن "المستوطنين يمارسون أعمالا استفزازية وعنصرية وهمجية بكل ما للكلمة من معنى، بدعم مباشر من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهذه الممارسات تكشف بوضوح أن إسرائيل لا تريد صياغة معادلة سلام حقيقية".

والأحد، دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، إلى ضم الضفة الغربية فورا، عقب اعتراف كندا وبريطانيا وأستراليا بدولة فلسطينية، مطالبا أيضا بتفكيك كامل للسلطة الفلسطينية، التي وصفها بأنها "سلطة إرهابية"، حسب زعمه.
العالم يمنح فلسطين شرعيتها

وأوضح جبر أن "المجتمع الدولي، الذي سبق ومنح إسرائيل شرعيتها عبر قرار التقسيم 181 ووعد بلفور عام 1917، هو ذاته القادر اليوم على منح فلسطين شرعية قيام الدولة. لذلك، هذه اللحظة تحمل معنى تاريخيا كبيرا، لأنها تضع فلسطين على خريطة العالم سياسيا وقانونيا، رغم استمرار الاحتلال وفرضه وقائع على الأرض".

ولفت جبر إلى أن "فلسطين ستثبت وجودها وتترسخ كدولة قائمة من خلال الاعترافات الدولية والتحالفات الدبلوماسية ومكانتها المتنامية داخل الأمم المتحدة، وهذه الاعترافات تعزّز الشرعية الفلسطينية، وتفتح الباب أمام استحقاقات جديدة تفرض نفسها على المجتمع الدولي، وتحد من محاولات الاحتلال لطمس هوية الدولة".

وحول توظيف الاعتراف الأوروبي كسند قانوني، أوضح الدبلوماسي الفلسطيني أن "الاعتراف يقوي الموقف الفلسطيني أمام المحاكم الدولية، لا سيما وأن هناك دعاوى مرفوعة ضد إسرائيل، سواء أمام المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية، وهذا الاعتراف يعزز تلك المساعي ويمنح زخما إضافيا لتفعيل أدوات القانون الدولي".

وأكد جبر أن "الاعترافات الدولية تُمكّن فلسطين من التحرك بشكل فردي أو من خلال ائتلافات مع دول أخرى لزيادة الضغط على إسرائيل، وهذا المسار الجديد سيمنح زخما غير مسبوق لمحاسبة الاحتلال على جرائمه، ويُمثل فرصة حقيقية لإعادة توجيه الجهود الدولية نحو محاسبة إسرائيل وإنهاء ممارساتها العدوانية".

وعبّر الدبلوماسي الفلسطيني عن أسفه العميق لقرار وزارة الخارجية الأمريكية القاضي بإلغاء تأشيرات الرئيس محمود عباس وعدد من مسؤولي السلطة، لمنعهم من حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، موضحا أن "هذا القرار يتعارض مع حقوق فلسطين كدولة مراقب ومع اتفاقية المقر التي تُلزم بتمكين جميع الدول من المشاركة".

فلسطين في صلب أجندة الأمم المتحدة

وأكد أن "الفلسطينيين كانوا يودون الحضور المباشر مثل باقي الدول، غير أن غيابهم لن يحجب صوت فلسطين عن العالم"، لافتا إلى أن "فلسطين ستظل في صلب أجندة الأمم المتحدة، وسيبقى صوت فلسطين عاليا في الأمم المتحدة، لأنها جوهر القضية المطروحة أمامها في هذه الأيام، وسيُلقي الرئيس محمود عباس كلمة عبر تقنية الفيديو كونفرنس ليسمعها العالم بأسره".

وانتقد الدبلوماسي الفلسطيني بشدة الموقف الأمريكي، معتبرا أنه "العقبة الأخطر أمام الاعتراف بالدولة الفلسطينية"، ومؤكدا أن "واشنطن تنحاز كليا لإسرائيل على حساب الشرعية الدولية، وأي اعتراض أمريكي قد يشكّل عقبة حقيقية أمام تحويل الإجماع العالمي إلى خطوات عملية ملموسة وفعّالة".

وأوضح أن "الولايات المتحدة اعتادت تعطيل قرارات الأمم المتحدة وعرقلة العدالة"، مُشدّدا على أن "واشنطن لم تعد وسيطا نزيها، بل غطاءً سافرا لجرائم الاحتلال المستمرة، لكننا سنواصل العمل الدبلوماسي، وسنسعى لحشد أكبر دعم ممكن من مختلف دول العالم، بغض النظر عن الموقف الأمريكي".



وختم مساعد وزير الخارجية الفلسطيني السابق بالتأكيد على أن "الكرة الآن باتت في ملعب المجتمع الدولي الذي أعلن كلمته بوضوح، وقال كفى للاحتلال، وكفى لحرب الإبادة في غزة"، منوها إلى أن "المطلوب اليوم هو تحويل هذه الأقوال إلى إجراءات ملموسة، تساهم في إنهاء العدوان الفاشي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة".

والأحد، أعلنت كل من بريطانيا وكندا وأستراليا، اعترافها بدولة فلسطين، ليرتفع عدد الدول التي اتخذت هذه الخطوة إلى 152 دولة، من أصل 193 دولة عضوا بالأمم المتحدة.

ومؤخرا، أعلنت 11 دولة، بينها مالطا وبريطانيا ولوكسمبورغ وفرنسا وأستراليا وأرمينيا وبلجيكا، اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين خلال أعمال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الجاري.

ومن أصل 193 دولة عضوا في المنظمة الدولية، باتت 152 دولة تعترف بدولة فلسطين التي أعلنها الرئيس الراحل ياسر عرفات من الجزائر عام 1988.

والاثنين، يجتمع قادة العالم في مقر الأمم المتحدة خلال المناقشة العامة رفيعة المستوى.

ويأتي ذلك في ظل إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل بدعم أمريكي في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أسفرت عن استشهاد 65 ألفا و283 فلسطينيا وإصابة 166 ألفا و575 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، إضافة إلى مجاعة أودت بحياة 442 فلسطينيا بينهم 147 طفلا.

وبموازاة إبادة غزة، قتل جيش الاحتلال والمستوطنون الإسرائيليون في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1042 فلسطينيا، وأصابوا نحو 10 آلاف و160، إضافة لاعتقال أكثر من 19 ألفا، بحسب معطيات فلسطينية رسمية.