الكتاب: الذكاء الاصطناعي كأداة جديدة
للعدالة
الكاتبة: أمل فوزي أحمد عوض
الناشر: المركز الديمقراطي العربي للدراسات
الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية الطبعة الأولى 2023 م ألمانيا / برلين
عدد الصفحات: 130 صفحة
ـ 1 ـ
أضحى الذكاء الاصطناعي اليوم موضوعا يشغل
المفكرين والفلاسفة بقدر ما يصرف إليه خبراء المعلوماتية. فهو يتجاوز الأداة التي
توظف في مجالات الحياة المختلفة إلى رؤى الوجود ومنزلة الإنسان فيه. وبديهي أن
يثير توظيفه في مجال العدالة الحذر والاحتراز لأسباب كثيرة، منها ما تتعلق بالعدالة نفسها وبتصورنا لها ومنها ما يتعلّق
بمدى ثقتنا في قدرة الآلة التي تظل عاجزة عن الإدراك، "غبية" مقارنة بالذكاء البشري رغم إنجازاتها الخارقة.
ومنا ما يتعلّق بقدرة البرمجيات [العمياء] على تنزيل الحكم القضائي في سياق
الجريمة الحضاري والاجتماعي والنفسيّ.
لقد مثّل هذا المبحث المستجد شاغل الباحثة
أمل فوزي أحمد عوض في أثرها "الذكاء الاصطناعي كأداة جديدة للعدالة".
فتوسعت فيه وفرعته إلى مباحث جزئية من بينها "أثر الذكاء الاصطناعي على
القانون والعدالة التنبؤية" و"الروبوت القاضي" و"الذكاء
الاصطناعي و"المحامي الروبوت" ومستقبل العدالة في عصر الذكاء الاصطناعي
مؤكدة حاجة القضاء اليوم الأكيدة إلى توظيف منجزات الحوسبة لتجويد عمل القضاة
والمحامين بحثا عن عدالة أكبر في المحاكمات الكثيرة محذّرة من مطباته ومزالقه
العديدة في الآن نفسه.
ـ 2 ـ
يعاني مجال القضاء، في عديد بقاع العالم، من
قلة عدد القضاة من جهة ومن تضاعف عدد القضايا المدنية من جهة ثانية. وهذا ما يحدّ
من حظوظه للارتقاء إلى المعايير الدولية لتحقيق عدالة ناجزة. ولا شك أن توظيف
البرمجيات الجديدة في علميات البحث وقراءة المستندات وإعداد ملفات القضايا
والمقارنات بينها وفي وحفظ البيانات بعيدا عن مخاطر تلف الوثائق الورقية ما يحدّ
من هذه الثغرة ويجعل القضاء سريعا وفعّالا وعالي الجودة. ومع ذلك تلاحظ الباحثة
أنّ النظم القضائية والهيئات قد تأخرت في تبني التكنولوجيا، فلم تنخرط بفعالية في
التحول نحو الذكاء الاصطناعي. ولكل تأخير فاتورة تُدفع. وعليه تؤكد ضرورة دمج
الذكاء الاصطناعي في النظم القضائية بما يغير طريقة ممارسة القضاة والمحامين وجميع المهتمين بالقانون
لأعمالهم لإيجاد حلول تساعد المحاكم على حل النزاعات بسرعة أكبر وتقليل عدد
المنازعات المدرجة في سجلاتها.
ـ 3 ـ
تعتقد أمل فوزي أحمد عوض أن بوسع الذكاء
الاصطناعي أن ينفّذ عديد المهام مثل تحليل البيانات التاريخية والقرارات القضائية
السابقة وسبر مختلف جهات النظر القانونية أو تقييم نتائج التقاضي المحتملة استنادا
إلى عمل حوسبة يزوّد البرمجية بجملة من المعطيات والتوجيهات نحو:
ـ إذا كان هذا
المستند عبارة عن اتفاقية عدم إفشاء ، فأرسلها إلى الإدارة للمراجعة.
نظريّا يمكن لآلة الذكاء الاصطناعي جمع الأبحاث ذات الصلة بالقضايا المتشابهة. وهذا يعفي القاضي من إهدار الوقت في مراجعة الكتب القانونية يدويا وفي جمع الأدلة أو تقدير معدلات العودة إلى الإجرام بناءً على البيانات الإحصائية.
ـ إذا كانت اتفاقية عدم الإفشاء هذه تفي
بالمعايير التالية، فوافق عليها للتوقيع.
ـ ابحث عن جميع عقودي مع بنود التجديد
التلقائي وأعلمني قبل أربعة أسابيع من تجديدها.
ـ أخبرني ما هي براءات الاختراع التي ستنتهي
صلاحيتها في الأشهر الستة المقبلة.
وبناء على تنفيذ هذه المهام يتمكّن المحامي
من استقراء البيانات ومقارنة بعضها ببعض لاستباق المحاكمات والتنبؤ بنتائج
النزاعات واتخاذ الإجراءات الضرورية مسبقا، وبالتالي يساعد موكليه على اتخاذ
القرارات الصائبة. وتستشهد بشركة محاماة
بلندن كانت قد استخدمت بيانات عن نتائج 600 قضية على مدى 12 شهرا ومكنت الذكاء
الاصطناعي من مائتي عام من سجلات المحكمة العليا الأمر الذي مكنها من الحصول على
توقّعات أدق بكثير من توقع الخبراء البشريين.
ـ 4 ـ
نظريّا يمكن لآلة الذكاء الاصطناعي جمع
الأبحاث ذات الصلة بالقضايا المتشابهة. وهذا يعفي القاضي من إهدار الوقت في مراجعة
الكتب القانونية يدويا وفي جمع الأدلة أو تقدير معدلات العودة إلى الإجرام بناءً
على البيانات الإحصائية. فمن المهام التي نجح الذكاء الاصطناعي في التعهد بها مهنة
القانون مراجعة العقود، والإدارة، ومراجعة الوثائق تنظيم المعلومات ذات الصلة
بقضايا بعينها وترابطها وتحديد أوجه التشابه بين آراء المحاكم والبحث عنها بطرق
أكثر فاعلية بكثير مما تسمح به المراجعة اليدوية للوثائق الورقية بحيث ساعد
الباحثين القانونيين في الانتباه إلى مسارات لم يكن بإمكانهم الوصول إليها سابقًا.
كل ذلك يحدث بكبسة زر واحدة. وهذا أمر معقول. فليست كل أعمال المحاكم عملا مخصصا
معقدا. وبعضها ينجز بالتعويل على تكنولوجيا المعلومات دون الخوف من تأثيره السلبي
على تحقيق العدالة بين المتخاصمين.
ـ 5 ـ
ومع ذلك يمثّل العبور من رقمنة الوثائق
والمستندات إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات القضائية مغامرة متهوّرة
ما لم يستجب إلى مجمل من الشروط، من بينها توفير قاعدة بيانات ضخمة تتضمن
المعلومات التوجيهية ودعم التقنية المطلوبة. فبقدر ما يتمتع الذكاء الاصطناعي
بقدرات خارقة يظل مجالا هشا. ولعل المنزلق الأكبر يتمثل في كون مجموعة القواعد
التي تعتمدها البرمجيات بناء على الخوارزميات والاحتمالات تجعل الحاسوب موجها
ذاتيا للقيام بأنشطة وحل المشكلات على نحو مستقل عن سيطرة البشر. ومن شأن حوسبة
القانون أن تنهي ما يعرف بالسوابق القضائية فتجمّده وتوقف تطوره. ورقمنة الملفات
القضائية تتطلب إجراءات خاصة لإدارة البيانات وحفظ المستندات والسجلات تجسيدا
للشفافية وضمانا للرقابة البشرية.
صحيح أنّ التطبيقات تحمي خصوصية البيانات
وتوفر الأمن السيبراني مع استخدام كميات هائلة من البيانات بواسطة أنظمة الذكاء
الاصطناعي، وهذا ما جعل المستخدمين المحتملين يثقون بالتكنولوجيا، مثلما يحدث في
المعاملات المالية اليوم. ولكن البيانات ذات الجودة الرديئة أو المعيبة تفضي به
إلى نتائج غير دقيقة. والبيانات ذات الجودة العالية يسهل التلاعب بها أو اتلافها
عمدًا للحصول على تحليلات غير عادلة.
من المهام التي نجح الذكاء الاصطناعي في التعهد بها مهنة القانون مراجعة العقود، والإدارة، ومراجعة الوثائق تنظيم المعلومات ذات الصلة بقضايا بعينها وترابطها وتحديد أوجه التشابه بين آراء المحاكم والبحث عنها بطرق أكثر فاعلية بكثير مما تسمح به المراجعة اليدوية للوثائق الورقية بحيث ساعد الباحثين القانونيين في الانتباه إلى مسارات لم يكن بإمكانهم الوصول إليها سابقًا.
بالإضافة إلى ذلك، ولمّا كان الأمر يتعلّق
بمجال شديد الدقة والحساسية وتشمل تبعاته الأفراد كما الجماعات يُطرح السؤال حول
المسؤول عن قرارات الذكاء الاصطناعي في حال تم التعويل عن "القاضي
الروبوت" ونقل اختصاص اتخاذ القرارات القضائية بالكامل إلى الذكاء الاصطناعي:
فمن يمتلك السلطة القانونية لاتخاذ مثل هذا القرار هل هو مبرمج الكمبيوتر أم صانع
السياسات أم صانع القرار البشري أم الكمبيوتر أو النظام الآلي نفسه ؟ ولهذه
العوامل جميعا صُنف اقتراح المفوضية الأوروبية لتنظيم الذكاء الاصطناعي المستخدم
في المحاكم على أنه عالي المخاطر.
تظل هذه الاحترازات مقبولة ولكنها تذهب
بعيدا في توقعاتها. فالتوصل إلى النتيجة عن طريق الذكاء الاصطناعي ليس ممكنا بعد.
والتعويل عليه لا شك سيكون متدرجا منسجما مع التطور التقني الذي لا نعرف مآله بعد.
وسيحتاج القضاة إلى فهم كيفية التعامل معه من أجل الاستفادة منه بشكل كاف. أما على
المستوى اللوجيستي فالمحاكم تحتاج بدورها إلى رقمنة معلوماتها وتزويدها بالتفسير
القانوني، من أجل جعلها أكثر قابلية لاستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي.
ـ 6 ـ
تنتهي الباحثة إلى جملة من التوصيات التي
تراها كفيلة بجعل الذكاء الاصطناعي مفيدا في مهن القضاء معولة على توجيهات مجلس
المحامين الأوروبيين. فلا بدّ أن تُحدَّد الأطراف القضائية المشاركة في العملية
استخدام الذكاء الاصطناعي وأن يتم التحقق من بيانات الإدخال ومعايير الاستدلال
بها. فضلا عن ذلك لا يجب اعتبار نتائج هذه التطبيقات نهائية. ولا بدّ أن يكون
الذكاء الاصطناعي قادرا على معالجة المعلومات القانونية معالجة آلية وعلى شرح
كيفية وصوله إلى نتائجه وتفسيرها التفسير الموضوعي. وهذا ما يتيح للخصوم أن يشككوا
فيها أو الطعن في وجوه اعتمادها. وفي مختلف الحالات يتخذ القرار النهائي من قبل
القاضي البشري. فيكون المسار برمته وسيلة مساعدة لا أكثر.
ـ 7 ـ
اجتهدت الباحثة في التبشير بعدالة الذكاء
الاصطناعي. وما يحسب لها إيمانها العميق بقدرة البرمجيات على المساعدة في تطبيق
أفضل للقوانين وفي الوصول إلى عدالة أحسن. ومع أنها كانت تلح على أن القرارات
النهائية يجب أن تظل من تقدير القاضي البشري مقارنة بالقاضي الروبوت الذي هو عمل
البرمجيات، فإنها:
أ ـ بدت خالية الذهن من قضايا عديدة على قدر من
التعقيد. فالقضاء يظل في صميم التفكير الفلسفي. ومن إشكالياته الكبرى أنّ الإنسان
ابن بيئته وثقافته ومعيشه. وما يرتكب من المخالفات كثيرا ما تردّ إلى هذه العوامل.
وفلسفة القانون لم تحسم إلى اليوم في مقدار مسؤولية الفرد في ما يأتي من الأفعال.
وكثيرا ما يعوّل القاضي على ما يصطلح عليه بالذوق السليم لتقدير درجة المسؤولية
الفردية في الجريمة مقارنة بتأثير الثقافي والحضاري والاجتماعي. والمثال الذي يطرح
في هذا السياق فرضية وقوع جريمة بسبب الاعتداء على بقرة. فلاشك أن القاضي سيتعامل
مع المشتكي إن كان هندوسيا يقدّس الأبقار على نحو مختلف مع مشتك من ديانة أخرى.
فيصنّف الحدث الأول ضمن ازدراء الأديان ويصنّف الثاني ضمن الاعتداء على أملاك
الغير. أما التعويل على الذكاء الاصطناعي فيقصي هذه الخلفية ولا يأخذها بعين
الاعتبار.
ب ـ مما يبشر به الكتاب أنّ برامج الذكاء
الاصطناعي كفيلة بالتأكد من مصداقية الشهود بناء على ميزات موضوعية مثل تعبيرات
الوجه الدقيقة. فهي تساعد القاضي وتجعله "أقل
عرضة للاسترشاد بالانطباعات
الذاتية". فتبدو الباحثة هنا خالية الذهن من القضايا التي يثيرها مبحث
المرفوبسيكولوجيا.
يمثل الوجه وفق قيم المرفوبسيكولوجيا نصّا
يمكن قراءته بتقطيعه إلى منطقة للذكاء وأخرى للغرائز وثالثة للحركة ومنطقة خاصة
ببثّ الطّاقة ومنطقة مخبرة عن بالكفاءة الجنسيّة. والوعي بهذه التفاصيل يجعلنا
ننفذ إلى باطن الإنسان انطلاقا من تملي ملامحه. ولكنها لم تقدّم نفسها أبدا
باعتبارها علما صحيحا، وإن استندت إلى تجارب علمية في استخراج دلالات الملمح.
وتشدّد على كونها تقنية وفنّا استقاهما أطباء وعلماء نفس من تجاربهم وعلى كونها
أقرب إلى الحدوس التي يزكّيها استدعاء الخبرات والمعارف السّابقة بسبل رسم الشّعور
على الوجه.
ت ـ يواجه الذكاء الاصطناعي تحدي المعايير
الأخلاقية. ولنا أن نذكر العائق الذي يحول دون التعويل عليه في مجال المرور.
فاعتماده في قيادة السيارات على سبيل المثال يطرح الإشكال التالي: في حالة ظهور
طارئ ما يقتضي توجيه السيارة المنفلتة بعيدا عن هوة أو جدار بمن ستتم التضحية من
الواقفين يمينا أو يسارا؟ يكون دافع السائق ذاتيا أنانيا أحيانا فيوجه سيارته نحو
الجهة التي تكفل سلامته أو يكون الدافع موضوعيا أحيانا أخرى. فيوجه سيارته إلى
الناحية التي تجعل عدد الضحايا أقل. وفي الحالين يتخذ السائق قراره في لحظة ما دون
تصميم مسبق. فلا يؤاخذ. أما في حال اعتماد البرمجيات فيكون الاختيار واقعا مسبقا
متحققا بالقوة. ووقوع الحادث ينقله من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل. وهذا يعني
أن نمنح المبرمج الحق في الحكم الموت على البعض دون ذنب.
وقياسا على ذلك فكل ما يتعلق بالحريات
والحقوق لا يمكن أن يعول فيه على القاضي الروبوت الذي تحلم به الباحثة. فمهما بلغ
الذكاء الاصطناعي من الدقة والكفاءة، لا يصل إلى الذكاء البشري أولا، ويظل آلة
عمياء غير مدركة لأعمالها وغير مسؤولة عن اختياراتها ثانيا.