أصدرت مؤسسة
سيناء لحقوق الإنسان، الاثنين، تقريراً بعنوان “قتلوا بدم بارد” يكشف لأول مرة عن وجود
مقبرة جماعية في شمال سيناء قالت إن قوات
الجيش المصري على إنشائها وإخفائها لسنوات.
ووفق التقرير، الذي أعد بالتعاون مع منظمة Forensic Architecture، تحتوي المقبرة على مئات من البقايا البشرية التي يرجح أنها لمواطنين قتلوا خارج نطاق القانون والقضاء، ودفنوا سرا.
وأوضحت المؤسسة أنها خاطبت الحكومة المصرية يوم السبت الماضي عبر القنوات الرسمية، مقترحة حجب التقرير مقابل الالتزام بتشكيل لجنة تقصي حقائق مصرية مستقلة تضم ممثلين عن المجتمع المدني، لكن لم تتلق أي رد.
ويعرض التقرير وقائع متفرقة لعمليات قتل خارج القانون بحق مدنيين خلال الحرب مع تنظيم ولاية سيناء التابع لـ”تنظيم الدولة” بين 2013 و2022، مؤكداً ضرورة أن يشكل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها أجهزة الأمن والجيش.
وقال أحمد سالم، المدير التنفيذي للمؤسسة: "الأدلة على وجود المقبرة الجماعية وعشرات الوقائع الموثقة ستبقى جرحا داميا لا يندمل إلا بالعدالة، وتذكرنا بأن وراء كل ضحية إنسانا وعائلة حرموا من فرص الإنصاف. هذه الانتهاكات الصارخة، التي ترقى إلى جرائم حرب، نفذتها قوات الجيش والشرطة على مدى سنوات، في ظل غياب كامل للمساءلة."
اظهار أخبار متعلقة
المقبرة الجماعية وتحليل الأدلة
قام فريق المؤسسة بزيارة موقع المقبرة جنوب مدينة العريش بصعوبة بالغة بسبب التحصينات العسكرية الكثيفة، ووثق مواد مصورة لرفات بشرية تعود إلى 36 شخصاً فقط، وهي تمثل جزءا محدودا من إجمالي الموقع الذي يقدر احتواؤه على أكثر من 300 جثة.
وأظهرت التحليلات أن أغلب الضحايا دُفنوا بشكل سطحي، كامل الملابس المدنية، مع وجود عصابات للعين على بعض الجماجم، مما يتطابق مع مقاطع الفيديو الموثقة لعمليات القتل خارج القانون.
وأوضحت Forensic Architecture، من خلال دراسة الصور الفضائية بين 2005 و2023، أن الموقع شهد تحصينات عسكرية متزايدة منذ 2013 وأنشطة دفن متكررة خاصة بين 2015 و2017، بما يشير إلى تنفيذ عمليات القتل على مراحل زمنية متعددة وليس مرة واحدة. وتم استخدام تقنية ثلاثية الأبعاد لإعادة بناء الموقع وتحديد مواقع الجثث الظاهرة في المواد المصورة.
استند التقرير على مقابلات مع اثنين من عناصر الميليشيات الموالية للجيش الذين شاركوا في إحضار المعتقلين إلى المقبرة، مؤكدين أنهم لم يشاركوا مباشرة في القتل، إلا أنهم أدلوا بمعلومات عن أماكن دفن وتواريخ تقريبية لعدد من الضحايا. كما جمع الباحثون شهادات 14 من الأهالي وشهود العيان حول وقائع قتل خارج القانون، إضافة إلى تحليل مقاطع فيديو وصور حصرية.
وقال أحد الشهود: "كنت أحقق مع معتقلين في معسكر الزهور والكتيبة 101، ومن يصف نفسه بأنه متعاطف مع داعش أو يقدم لهم خدمات يُقتل. كلمتي كانت قد تنهي حياة بني آدم أو تحييه."
سياق واسع للانتهاكات
يسلط التقرير الضوء على آلاف حالات القتل خارج القانون، التي وصفتها السلطات زوراً بأنها "اشتباكات مسلحة"، وتجاوزت المئات من المعتقلين الذين أُعدموا أو اختفوا قسرياً.
وتشير بيانات المؤسسة إلى مقتل 5 آلاف و53 شخصاً وصفتهم السلطات بـ"العناصر الإرهابية"، واعتقال 14 ألف و837 آخرين مشتبه بهم، في حين تشير تقديرات بحثية إلى أن عدد مقاتلي تنظيم ولاية سيناء لم يتجاوز 1,500 عنصر حتى منتصف 2018.
كما توضح المؤسسة أن الانتهاكات تشمل الاعتقالات التعسفية، الإخفاء القسري، التعذيب، وعمليات القتل الميدانية بحق الأطفال والمدنيين، مع غياب أي مساءلة قانونية، ما يجعل هذه الانتهاكات وفق القانون الدولي جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بموجب اتفاقيات جنيف والمواثيق الدولية التي صادقت عليها مصر، بما فيها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي والعربي لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة التعذيب.
تؤكد مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، عبر تقريرها الجديد، على الحاجة الملحة لتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة تابعة للأمم المتحدة للتحقق من الانتهاكات الجسيمة في شمال سيناء، ووضع آلية لمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في مصر، خصوصاً ما يرتكبه الجيش والأجهزة الأمنية بحق المدنيين.