قضايا وآراء

الدولة "الوهمية" الجديدة

حمزة زوبع
"يؤكد مرارا وتكرارا اعترافه بدولة الكيان وحقها في الوجود"- جيتي
"يؤكد مرارا وتكرارا اعترافه بدولة الكيان وحقها في الوجود"- جيتي
"لقد قتلت إسرائيل جميع قادة حماس الرئيسيين وهذا نجاح في بداية الحرب. كان لدى حماس 25 ألف مقاتل ربما قتل الجيش الإسرائيلي نصفهم، لكن حماس نجحت في تجنيد العدد نفسه. إن بقاء العدد نفسه من المقاتلين هو خير دليل على أن الحرب الشاملة ليست الحل، هذا النهج لم يفلح إلا في تدمير مصداقية إسرائيل وساعد حماس على إعادة إنتاج نفسها بدلا من إضعافها" (من كلمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، 22 أيلول/ سبتمبر 2025).

"الدولة الفلسطينية المستقبلية لن تكون لديها نية أن تكون دولة عسكرية، وهي مستعدة للعمل على ترتيبات تعود بالنفع على جميع الأطراف طالما أنها تتم في إطار حماية دولية" (رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رسالته إلى الرئيس الفرنسي ماكرون في السادس من حزيران/ يونيو 2025، قبيل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لحل الدولتين في 17-21 حزيران/ يونيو الماضي).

بيان كيف يتآمر الجميع ضد المقاومة في فلسطين؛ ليس من اليوم بل منذ نشأتها في أربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم،

"لن يكون لحركة حماس أي دور في حكم قطاع غزة مستقبلا"، ودعا الحركة إلى تسليم سلاحها (من كلمة محمود عباس أمام الأمم المتحدة عبر الفيديو، بعد أن حرمته حكومة ترامب من تأشيرة الدخول إلى أراضيها للمشاركة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الحالي).

هل لاحظت شيئا عزيزي القارئ بين كلمة الرئيس ماكرون وكلمات الرئيس عباس التي يرددها صبح مساء كالببغاء دون أن يعي خطورتها؟

* الرئيس الفرنسي يدرك حجم وقوة حماس على الأرض، ويدرك أيضا أنه وبعد مرور قرابة العامين من شن العدوان الصهيوني على غزة؛ لا يلوح في الأفق أي ملمح من ملامح الانتصار العسكري التي حددها الإرهابي المطلوب للعدالة الدولية بنيامين نتنياهو، وهي تحرير الأسرى واستسلام حماس وخروجها من المشهد السياسي.

* الرئيس الفرنسي ماكرون يؤكد استحالة تحقيق أي نصر في هذه الحرب الشاملة التي تقف غزة بمقاومتها وحدها في وجه الكيان الصهيوني وحلفائه، وما أكثرهم.

* لم تنجح حكومة العدو الصهيوني في شيء مثلما نجحت في تشويه صورتها المشوهة أصلا بالاحتلال والعدوان والحصار، وهو نفس الكلام الذي ردده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونصح دولة الكيان بالبحث عن شركة علاقة عامة كبيرة لترميم الصورة المشوهة تلك.

* الرئيس ماكرون يتحدث عن سرعة تجديد حماس لقدراتها البشرية وهي أهم وأخطر القدرات في حالة الحرب، وهو ما تفتقد دولة الكيان بعد عامين من العدوان.

* الرئيس الفرنسي بصفته قائدا لدولة مستعمرة قديمة (إيدها في الشغلانة) يقدم النصيحة لنتنياهو الغبي؛ أن منطق القوة لن يفيد في مواجهة مقاومة من نوع حماس، وأن البلطجة التي يقوم بها نتنياهو سترتد إلى صدره وسوف تقضي عليه ولكن ليس قبل أن تقضي على دولة الكيان نفسه.

* الرئيس ماكرون يريد إنقاذ دولة الكيان من ورطتها بطرح الاعتراف بالدولة الوهمية من أجل أمرين؛ الأول هو منع إعلان انتصار حماس، والثاني هو حرمان المقاومة من أن ينسب لها فضل تعاطف وتفاعل وتحرك العالم مع القضية الفلسطينية. يعني يريد القول: عليك يا دولة الكيان التسليم بهزيمة قليلة وشكلية بدلا من الاستمرار في نهج من المؤكد أنه سينتهي بهزيمة تاريخية، والكاسب الوحيد هو حماس.

لو نظرت إلى تصريحات أبي مازن (محمود عباس) فسوف تجد أنه:

* حريص كل الحرص على إدانة المقاومة المسلحة وحماس وطوفان الأقصى.

* يؤكد مرارا وتكرارا اعترافه بدولة الكيان وحقها في الوجود.

* لا يحرص ولا يؤكد ولو مرة اعترافه بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والحصار.

* يكرر إدانته لحماس كحركة مقاومة، ولا يدين نتنياهو المدان أصلا في أي كلمة من كلماته الرسمية.

* ينزع وبمحض إرادته حق شعبه في المقاومة بكافة أنواعها وأشكالها كما قررت الأمم المتحدة في قرارات سابقة، ومن بينها القرار رقم "A/RES/38/17" الصادر في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1983 والذي أكد على "شرعية نضال الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية وتحررها من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي، بكل الوسائل المتاحة بما في ذلك الكفاح المسلح".

* يريد عباس الدولة المفترضة منزوعة السلاح لا يحق لها أن تدافع عن نفسها من أي عدوان ويترك المهمة للحماية الدولية!

هذه المقارنة البسيطة تبين لنا كيف أن رئيس السلطة الفلسطينية بات أكثر صهيونية من نتنياهو نفسه، وبات أكثر استعمارية من ماكرون وفرنسا بجلالة قدرها، وبات أكثر خصومة مع الشعب الفلسطيني من جيش الاحتلال الصهيوني نفسه.

ولكن الشق الآخر في الموضوع هو بيان كيف يتآمر الجميع ضد المقاومة في فلسطين؛ ليس من اليوم بل منذ نشأتها في أربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، فلم تكن بريطانيا وفرنسا وهما القوتان اللتان تقاسمتا النفوذ في العالم العربي بعد سايكس -بيكو؛ مستعدتين في يوم من الأيام بإقامة دولة فلسطينية حقيقية، بل إنهما مكنتا اليهود من إحكام قبضتهم على فلسطين ووفرتا لهم كل ما يلزم من أجل طرد العرب من فلسطين، ومن أجل بناء دولة على أنقاض دولة وعلى حساب شعب فلسطين، ولم تتأخر الدولتان قبل دخول أمريكا بكل ثقلها في المنطقة من دعم "إسرائيل" في شن الحرب تلو الأخرى والوقوف خلفها في المحافل الدولية، فما الذي جرى لتعترف بريطانيا وفرنسا بالدولة الفلسطينية الجديدة؟

فشل العدو عسكريا فوجب التحرك من أجل إنقاذه سياسيا وهو أمر مشكوك في نجاحه رغم كل الجهود المبذولة، كما أتصور أن محاولة إبعاد المقاومة عن المشهد هي محاولة مكتوب لها الفشل

الشيء المؤكد أنه اعتراف المضطر لأكل الميتة والجيفة في ظل الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته في الأرض المقدسة من شمالها إلى جنوبها، من شرقها إلى غربها، من نهرها إلى بحرها، فالمقاومة ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الفلسطيني تقف على قدميها (رغم الجراح والآلام والأثمان التي تدفعها) لعامين متواصلين؛ بينما كانت أطول حرب بين الجيوش العربية وجيش العدو هي حرب أكتوبر 1973 واستمرت لثمانية عشر يوما، ثم توقفت لتفسح الطريق أمام العدو لكي يحقق انتصاره السياسي الكبير بإبعاد مصر الكبرى عن حلبة الصراع مقابل إعادة سيناء خالية وخاوية بلا دفاع ولا هجوم، حتى وصلنا للموقف الذي نراه اليوم بعد مرور أكثر من خمسين عاما على توقيع اتفاقية السلام مع العدو في 26 آذار/ مارس 1979.

فشل العدو عسكريا فوجب التحرك من أجل إنقاذه سياسيا وهو أمر مشكوك في نجاحه رغم كل الجهود المبذولة، كما أتصور أن محاولة إبعاد المقاومة عن المشهد هي محاولة مكتوب لها الفشل، وأن المقاومة المسلحة ضد العدو والاحتلال في كل مكان هي الوحيدة المخولة بالحديث نيابة عن الشعوب المقاومة وليس الجالسين في مكاتبهم يتلقون الدعم السخي من عدوهم لتشويه المقاومة.

سيذهب محمود عباس ورفاقه إلى المكان الذي يستحقونه إن لم يكن اليوم فغدا، وسيحكم التاريخ على الذين ساعدوا العدو على اختراع وترويج وتسويق الاعتراف بالدولة الفلسطينية رغم أنه في عام 1988 اعترفت 83 دولة بدولة فلسطين التي أعلن عنها ياسر عرفات في الجزائر، واعترفت بعد ذك عدة دول بفلسطين واستمر الاعتراف حتى عام 2019 حين اعترفت كولومبيا ودولة سانت كيتس ونيفيس بدولة فلسطين، وبين عامي 2023 و2024، أي قبل عقد مؤتمر البروباجندا الأخير، اعترفت دول مثل المكسيك وجامايكا وسلوفينيا وإسبانيا وآيسلندا وأيرلندا وغيرها.

اليوم وصل العدد إلى 158 من أصل 193 أي أن ما يزيد عن 81 في المئة من الدول الأعضاء في الامم المتحدة، فما الجديد؟ الجديد هو اشتراط تسليم المقاومة لسلاحها وإبعادها عن الحكم والسلطة، وإبقاء الدولة الوهمية الجديدة تحت رحمة دولة الكيان صنيعة المستعمر.
التعليقات (0)

خبر عاجل