كتاب عربي 21

الإبادة باسم السلام: كيف صارت خطة نتنياهو خطة العرب والمسلمين؟!

ساري عرابي
"باتت خطة نتنياهو/ ديرمر؛ خطة للعرب والمسلمين، باسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"- جيتي
"باتت خطة نتنياهو/ ديرمر؛ خطة للعرب والمسلمين، باسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب"- جيتي
أعلن ترامب أخيرا عمّا ينبغي أن يُسمّى خطة نتنياهو/ ديرمر لفرض الاستسلام والواقع الإسرائيلي على قطاع غزّة وتصفية القضية الفلسطينية، بعنوان كاذب هو "إنهاء الحرب"، مع بهارات ترامب المألوفة في صياغة العبارات الكبيرة عن إنجازات تاريخية في تحقيق السلام لا وجود لها. بيد أنّ الأسوأ في كل ما هو مذكور، أنّ خطة نتنياهو/ ديرمر وفّر لها ترامب سلفا غطاء عربيّا/ إسلاميّا باجتماعه مع رؤساء وممثلي ثمانية دول عربية وإسلامية على هامش الدورة 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. (أثناء كتابة هذه المقالة، أصدر وزراء خارجية هذه الدول بيانا مشتركا جاء فيه: "وقد أكد الوزراء استعدادهم للتعاون بشكل إيجابي وبناء مع الولايات المتحدة والأطراف المعنية لإتمام الاتفاق وضمان تنفيذه، بما يضمن السلام والأمن والاستقرار لشعوب المنطقة").

هكذا باتت خطة نتنياهو/ ديرمر؛ خطة للعرب والمسلمين، باسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعليه، وُضعت المقاومة الفلسطينية في مواجهة الدول العربية والإسلامية، بالرغم من أنّها ليست إلا في مواجهة دولة الإبادة الجماعية "إسرائيل"، وصار ينبغي أن تُنفَّذ هذه الخطة التي تدعو إلى تسليم جميع الأسرى الإسرائيليين سلفا في ظرف 72 ساعة، ليكون الاحتلال حرّا بالكامل في عموم حركته العسكرية الإبادية، ويبدأ نتنياهو خطته بإنجاز كبير أمام مجتمعه. ثمّ بعد ذلك لا ضمانات ولا جداول ملزمة (فالجدول الزمني الوحيد المنصوص عليه هو تسليم الأسرى الإسرائيليين)، في حين أنّ خارطة الانسحابات تضمن لـ"إسرائيل" شريطا عازلا داخل القطاع، ثمّ تُفْرَض لجنة فلسطينية تعيّنها أمريكا لإدارة القطاع على أساس التنسيق الكامل مع إسرائيل بإشراف دولي، يتمثل في أمريكا و رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، ليضمن هذا الإشراف لا استسلام فصائل المقاومة وتسليم سلاحها فحسب، ولكن أيضا حلّ نفسها والتنصّل من ذاتها والاعتذار لـ"إسرائيل"،
صار ينبغي أن تُنفَّذ هذه الخطة التي تدعو إلى تسليم جميع الأسرى الإسرائيليين سلفا في ظرف 72 ساعة، ليكون الاحتلال حرّا بالكامل في عموم حركته العسكرية الإبادية، ويبدأ نتنياهو خطته بإنجاز كبير أمام مجتمعه. ثمّ بعد ذلك لا ضمانات ولا جداول ملزمة
وليضمن أيضا التزام اللجنة الفلسطينية بالتبعية الكاملة للشرط الإسرائيلي، وكل ما يتعلق بانسحاب الاحتلال مرهون بقرار الاحتلال بحسب تذرّعه بمدى اطمئنانه إلى تجريد القطاع من السلاح، وكفاية قوات الوصاية الدولية، ليستمر في عمليات الاغتيال والقصف والمداهمة! طبعا، لن يتذكر داعمو خطة نتنياهو/ ديرمر ما تفعله "إسرائيل" في لبنان وسوريا!

هذه الخطة كلّها لم يأت فيها أيّ ذكر للسلطة الفلسطينية، بمعنى أن اللجنة الإدارية الخاضعة للوصاية الأمريكية/ الإسرائيلية ستكون مجردة من الهوية السياسية والمشروع الوطني، وهذا عينه مشروع اليمين الإسرائيلي؛ طمس الهوية الفلسطينية وإلغاء أيّ ممثل سياسيّ للفلسطينيين. وهو إعلان عمليّ بإنهاء الاتفاق المؤسس للسلطة الفلسطينية، أي إنهاء اتفاقية أوسلو، والتأسيس لواقع سياسيّ جديد، يخضع فيه الفلسطينيون لوصاية دولية، فلا توجد أجندة معلنة واضحة لإنهاء هذه الوصاية لصالح السلطة الفلسطينية، أو لصالح تدشين مسار سياسي يقوم على أساس حقّ الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وتحرير أرضهم وتجسيد هويتهم القومية في دولة لهم (بل إنّ ترامب في إعلانه أبدى تفهّمه لرفض نتنياهو إقامة دولة فلسطينية). وغير بعيد عن ذلك، أنّ إعلان ترامب/ نتنياهو، عن خطة نتنياهو/ ديرمر؛ لم يتناول السياسات الاستيطانية/ العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك مشاريع الضمّ القائمة بالفعل، ليس فقط في إجراءاتها الفعلية على الأرض، ولكن أيضا بصيغها القانونية، التي تحوّل الوجود الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة من كونه تابعا للحكم العسكري الإسرائيلي، إلى كونه احتلالا مدنيّا خالصا بما يخالف القوانين الدولية.

وفّرت خطة نتنياهو/ ديرمر لنتنياهو فرصة إعادة إنتاج نفسه أمام المجتمع الإسرائيلي، والقدرة على الاستمرار في الحرب بأشكال متعددة تحت عناوين جديدة (تسليم السلاح، وكفاءة القوات الدولية، وجدارة اللجنة الفلسطينية المرتبطة بالاحتلال)، وامتصاص الرأي العامّ العالمي المناهض لسياسات الإبادة الجماعية، وبما يعيد إنتاج الكيان الإسرائيلي مجددا في العالم، بوصفه الساعي إلى إنهاء الحرب، وفي حين لم توافق المقاومة على الخطة التي تدعوها إلى إنهاء نفسها بنفسها، فإنّ الغطاء للإبادة الجماعية هذه المرّة عربي وإسلامي، بعدما تُحمّل المقاومة المسؤولية عن رفضها لخطة تصفيتها وتصفية القضية الفلسطينية.

اصطف الجميع للبحث عن مخرج يعطي "إسرائيل" كل شيء، أو يرفع الحرج عنها في استكمالها للإبادة، لأنّ المسؤولية هذه المرّة سوف تُحمّل للمقاومة، وهكذا فدماء عشرات الآلاف وتشريد سكان القطاع المستمر وتدميره بالكامل، وصمود مقاومتهم، والمحاكم الدولية، والعزلة الدولية، كلّ ذلك جرى تجييره لينتهي لصالح بنيامين نتنياهو

إنّ الأهوال التي صُبَّت على الغزيين، وقدرة مقاومتهم على الصمود المعجز في غمرة الإبادة الجماعية، كان يمكن استثمارها فلسطينيّا وعربيّا وإسلاميّا للتأسيس لواقع سياسيّ جديد يدفع نحو إنهاء الإبادة فورا ويجعل الموقف الفلسطيني في الأفضلية على الأقل سياسيّا، بيد أنّ الجميع كان ينتظر اللحظة السريعة التي تجهز فيها "إسرائيل" على المقاومة في غزّة، وحركتها الأكبر، فلمّا لم يُنجَز الأمر سريعا، اصطف الجميع للبحث عن مخرج يعطي "إسرائيل" كل شيء، أو يرفع الحرج عنها في استكمالها للإبادة، لأنّ المسؤولية هذه المرّة سوف تُحمّل للمقاومة، وهكذا فدماء عشرات الآلاف وتشريد سكان القطاع المستمر وتدميره بالكامل، وصمود مقاومتهم، والمحاكم الدولية، والعزلة الدولية، كلّ ذلك جرى تجييره لينتهي لصالح بنيامين نتنياهو.

وبينما هذا هو الموقف الرسمي للنظام العربي/ الإسلامي، المتواطئ مع تجيير الإبادة وصمود المقاومة لصالح نظام الإبادة ومنطقها، يروّج الإعلام العربي لإرادة ترامب لإنهاء الحرب، وفرضه ذلك على نتنياهو، وكأنّ التجربة كلّها المستفادة منذ وصوله إلى البيت الأبيض، إضافة إلى دورته السابقة (والتي ذكّر بها في إعلانه عن خطته خطة نتنياهو/ ديرمر حينما تحدث عن نقله سفارة بلاده إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لـ"إسرائيل" والاعتراف بضمّ الأخيرة للجولان) لم تعلّم هذا الإعلام والمتحدثين فيه والممتهنين الكتابة والموصوفين بالثقافة؛ أنّ أمريكا، وتحديدا في ظلّ إدارته، ما هي إلا منفّذ للأجندة للإسرائيلية، وهو أمر صار محيّرا للعديد من النخب في اليمين الأمريكي، ولكنه لا يُحيّر أبدا بعض مثقفينا، بما في ذلك بعض من أيّد منهم المقاومة طوال المرحلة الماضية، ثمّ سارع أخيرا صراحة أو بنحو خفيّ للترويج لخطة نتنياهو/ ديرمر.

تأتي هذه الخطة الإسرائيلية، المفروضة أمريكيّا، والمغطاة عربيّا وإسلاميّا، في ذكرى الأمين العام الأسبق لحزب الله السيد حسن نصر الله، في هذه الذكرى يطالب الكثير من العرب والمسلمين الفلسطينيين بشتم الرجل الذي وقف معهم هو وحزبه حتى قضى في هذه الوقفة؛ في معركة لم تكن أبدا معركة أحد من العرب والمسلمين، كما هو واضح!

وأخيرا، مهما كان مآل هذه الخطة وكيفية التعاطي معها، سواء أنفذت أم لا، وافقت عليها حماس في أيّ إطار كان، كأن توسع إطار اتخاذ القرار في أمر بات أوسع حتى من الإبادة الهائلة، أم لم توافق عليها، فإنّ من يتحمّل المسؤولية عن النتيجة على حاليها، هو من خذل الفلسطينيين في غزة، وتآمر عليهم، ولم يستثمر الفرصة العظيمة التي أعطيت للعرب والمسلمين ليكونوا بشرا مرئيين وفاعلين في هذا العالم لأوّل مرّة منذ عقود طويلة.

x.com/sariorabi
التعليقات (0)

خبر عاجل