قضايا وآراء

لبنان ومحيطه ليسا بعيدين عن نيبال ومدغشقر

محمد موسى
"إذا لم تبادر الدولة إلى وضع سياسات اجتماعية واقتصادية جذرية تراعي أولويات الشباب، فإنّ احتمالات انفجار موجة احتجاجية واسعة تبقى مرتفعة"- جيتي
"إذا لم تبادر الدولة إلى وضع سياسات اجتماعية واقتصادية جذرية تراعي أولويات الشباب، فإنّ احتمالات انفجار موجة احتجاجية واسعة تبقى مرتفعة"- جيتي
تشهد الساحة الدولية في الآونة الأخيرة بروز موجات احتجاجية متصاعدة قادها جيل جديد من الشباب في بلدان متباعدة جغرافيا، بدءا من نيبال في جنوب آسيا مرورا بمدغشقر في المحيط الهندي، وصولا إلى المغرب في شمال أفريقيا. وعلى الرغم من التباين الثقافي والتاريخي والسياسي بين هذه الدول، فإن خيوطا مشتركة تجمع بين هذه الحركات، ما يتيح وصفها بظاهرة "ثورة الجيل الجديد" التي تستند إلى أرضية سكانية شابة، وإلى وجع اقتصادي متفاقم، وإلى تقنيات رقمية معاصرة وفّرت للشباب أدوات تنظيم وتعبئة غير مسبوقة.

في المغرب، اندلعت احتجاجات متواصلة خلال خريف العام 2025 في أكثر من مدينة، حيث عبّر الشباب عن تذمّرهم من تردي الأوضاع المعيشية والخدماتية، خصوصا في قطاعات التعليم والصحة وفرص العمل. الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية تشير إلى أنّ معدل البطالة العام يقترب من 13 في المئة، بينما تصل البطالة بين الشباب إلى نحو 35 في المئة، مع ارتفاعٍ واضح في بطالة خريجي الجامعات. وقد استعمل الشباب المنصات الرقمية الحديثة، ولا سيما التطبيقات المرئية السريعة الانتشار، في نشر مقاطع مصوّرة وتنظيم تحركات غير مركزية، الأمر الذي منح هذه الحركة طابعا جديدا بالمقارنة مع احتجاجات العقد الماضي. كل الآمال أن يسلم المغرب وأهله لما فيه خيرهم.

أما في مدغشقر، فقد شكّلت الأزمة المعيشية اليومية شرارة للاحتجاجات، إذ أدّى انقطاع المياه والكهرباء وتدهور البنى التحتية إلى نزول آلاف الشباب إلى الشارع، مطالبين بفتح أفق سياسي واقتصادي جديد. ووفق تقارير دولية، فإن معدلات الفقر في مدغشقر تتجاوز نصف السكان، بينما يعاني الشباب من انعدام شبه كامل في فرص التشغيل المستقر. ورغم محاولات الحكومة احتواء الأزمة بقرارات جزئية، فقد بقي الاحتقان الشعبي على حاله، ما يدل على عمق الهوة بين الدولة والمجتمع الشاب.

وفي نيبال، اندلعت موجة احتجاجية يقودها جيل وُصف إعلاميا بجيل زد، حيث يشكل من هم دون الثلاثين أكثر من نصف عدد السكان. ويقدّر معدل البطالة بين الشباب بأكثر من عشرين في المئة، فيما يعتمد الاقتصاد الوطني بشكل كبير على تحويلات العاملين في الخارج. هذه التركيبة الديموغرافية والاقتصادية خلقت حالة من التوتر الاجتماعي، عبّر عنها الشباب في احتجاجات واسعة النطاق استعملوا خلالها أدوات رقمية متطورة للتنسيق، بعيدا عن الوسائط الحزبية التقليدية.

المشترك بين هذه الحالات الثلاث يكمن في اجتماع ثلاثة عناصر: أولا، نسبة سكانية شابة مرتفعة تعاني من غياب فرص حقيقية في سوق العمل. ثانيا، ضعف أو انهيار الخدمات العامة الأساسية، ولا سيما الصحة والتعليم والطاقة. ثالثا، انفجار أدوات التعبئة الرقمية التي كسرت احتكار السلطة للمجال العام وسمحت للشباب بتنظيم صفوفهم بسرعة وفعالية. وتشير تقارير منظمة العمل الدولية إلى أنّ معدل البطالة بين الشباب عالميا يقارب 13 في المئة، وهو ما يعادل نحو 65 مليون شاب عاطل عن العمل، مع تفاوت كبير بين منطقة وأخرى، الأمر الذي يفسر التزايد الملحوظ في الاحتجاجات الشبابية عبر القارات.

إنّ خطورة هذه الظاهرة تكمن في قابليتها للانتشار، إذ إن أي بلد يجمع بين التركيبة السكانية الشابة والبطالة المرتفعة والخدمات العامة المتهالكة والانفتاح الرقمي، يصبح مرشحا لموجات مشابهة. التوقعات تشير إلى أن دولا عدة في أفريقيا جنوب الصحراء، وفي جنوب آسيا، وحتى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، قد تشهد تحركات من هذا النوع في السنوات المقبلة، خصوصا مع ارتفاع نسبة السكان دون الخامسة والعشرين وتزايد الضغوط المعيشية.

ولا يمكن في هذا السياق تجاهل الحالة اللبنانية. فوفق بيانات البنك الدولي، تزيد نسبة الشباب في لبنان عن 30 في المئة من مجموع السكان، فيما تتجاوز معدلات البطالة بين الشباب الخمسين في المئة في بعض التقديرات، ويعاني الاقتصاد من انكماش حاد منذ العام 2019، ترافق مع انهيار الليرة وتراجع القدرة الشرائية وانقطاع خدمات أساسية كالكهرباء والمياه والصحة والتعليم. إن هذه المؤشرات، مجتمعة مع ارتفاع معدلات الهجرة وغياب الإصلاحات البنيوية، تجعل لبنان غير بعيد عن موجة "ثورة الجيل الجديد" التي تتنقل من بلد إلى آخر.

ولا يكفي السلطات السياسية أن تبقى محتمية خلف الجدران الطائفية والمذهبية البغيضة، فحاجات الجيل الجديد تريد من يواكبها. وعليه فإن المنطق يقول: إذا لم تبادر الدولة إلى وضع سياسات اجتماعية واقتصادية جذرية تراعي أولويات الشباب، فإنّ احتمالات انفجار موجة احتجاجية واسعة تبقى مرتفعة، وهو ما يعكس حقيقة أنّ الظاهرة لم تعد محصورة في قارات بعيدة بل باتت أقرب مما يعتقد الكثيرون. ولعل هذا الجيل الجديد يحمل في تحولاته وسرعة دينامية إدراكه الآمال في أن تبصر الحلول لقضايا منطقتنا، وفي مقدمتها وقف آلة القتل والتدمير في غزة.
التعليقات (0)

خبر عاجل